قال لي زميل من دولة عربية حديث العهد بالعمل الأكاديمي في المملكة بعد اطلاعه على نظام مجلس التعليم العالي ومجموعة لوائح التعليم العالي في المملكة (الطبعة الثالثة) الصادر عن مجلس التعليم العالي إنه معجب جداً بها وإنها إذا كانت تطبّق تطبيقاً كاملاً باكتمال باقي المتطلبات الأخرى للعمل الجامعي فستفضي إلى تعليم عال متميز. سرَّني هذا الإطراء كعادتي عند سماع كل إطراء يسجّل لبلادي العزيزة. النظام ولوائحه التسع خرجت بالتأكيد بعد مخاض عسير وعمل مضن قاده معالي وزير التعليم العالي وأداره تنفيذياً سعادة أمين مجلس التعليم العالي وكادره المساعد من الأكاديميين والقانونيين وهو بلا شك واحد من الإنجازات التنظيمية المهمة لقطاع التعليم العالي في المملكة في العقد الماضي والذي أضحى واجهة مضيئة من الواجهات التنموية الناجحة في فصول المشروع التنموي السعودي الذي قادته حكومتنا الرشيدة خلال الستة العقود الماضية. نظام مجلس التعليم العالي يركِّز على تنظيم الإدارة الأكاديمية من خلال تحديد مهام المجالس والمناصب ومشاركة كل منها في صنع القرار وملحق بالنظام تسع لوائح توضح الآليات التنفيذية للإدارة الأكاديمية والتنظيمية والإدارية والمالية لتكون بذلك حزمة متكاملة من التشريعات المرجعية لكافة القرارات الأكاديمية والتنظيمية والإدارية والمالية داخل الجامعة وهي بلا شك تتكامل مع اللوائح والتشريعات التي تسنّها الدولة لتنظيم إدارة العمل العام، فقد غطّت على الترتيب الوارد في كتاب النظام ولوائحه: الدراسة والاختبارات - الشؤون المالية - توظيف غير السعوديين - الابتعاث والتدريب - الدراسات العليا - شؤون هيئة التدريس السعوديين - البحث العلمي - صناديق الطلبة - الجمعيات العلمية. الأنظمة واللوائح هي صمام الأمان الحقيقي لإدارة العمل الجامعي بأقصى درجات الأمانة والمسؤولية والنزاهة لتحقيق استغلال أمثل للمدخلات وإدارة أكفأ للعمليات وجودة عالية للمخرجات ولكن الأنظمة واللوائح هي نصوص مكتوبة تحتاج إلى من يطبّقها عملياً دون إخلال أو مواربة كما تحتاج إلى طرف محايد لمراقبة التطبيق. المتوقّع. إن الجهاز الإداري للجامعة من رأسه إلى أدنى مستويات الهيكل الإداري كل في اختصاصه يضع هذه الأنظمة واللوائح نصب عينية دون تساهل أو تجاوز في التطبيق. ولكن ما هي الآليات التي تضمن ذلك؟ الآليات الفاعلة للرقابة محدودة والاعتماد على مدير الجامعة في التأكد من التطبيق لا يعد كافياً في ظل ضخامة حجم العمل والمسؤوليات. الجامعات في المملكة سواء حكومية أو أهلية أصبح عددها كبيراً والأعمال الأكاديمية والإدارية والتنظيمية داخلها ضخمة، والمفوضون بالصلاحيات كثر وليس من السهل متابعة كل قرار وضبط كل إجراء ولهذا يبرز السؤال كيف نتأكد من قانونية الإجراءات الأكاديمية والإدارية الجامعية باعتبار أن المراقب المالي إذا ما قام بعمله بشكل صحيح سيغطي مراقبة نظامية إجراءات الصرف المالي. مجلس الجامعة يشكل السلطة الأعلى في الجامعة وهو برئاسة معالي وزير التعليم العالي ومدير الجامعة نائباً له ويعتبر أمين مجلس التعليم العالي عضواً في مجالس الجامعات ولكن مجلس الجامعة لا يطلع على كافة القرارات ولا يملك آلية المتابعة التفصيلية لمجريات الأعمال ولهذا تبرز الحاجة في البحث في آلية متابعة، فلم يعد الاعتماد على حسن النوايا كافياً في وقت ننشد فيه التميز والجودة العالية. تطور وانتشار نظم الجودة العالمية ساهم في تحسين الأداء الأكاديمي داخل الجامعات السعودية لكنه ما زال قاصراً عن تغطية الجوانب الأخرى المرتبطة والمتداخلة بالعمل الأكاديمي وبالنظر إلى الدور الذي يقوم به عدد من الجهات الحكومية المختصة بالعمل الرقابي يتضح أن تأثيرها محدود خاصة في الرقابة على تفاصيل الأعمال ومدى تجاوبها مع اللوائح وحماية اللوائح والأنظمة والتأكد من تطبيقها في الجامعات يدعو إلى التفكير في إيجاد هيئة مستقلة تحت مظلة مجلس التعليم العالي لمراقبة وضبط العمل الجامعي؛ لأن الجامعة يجب أن تكون النموذج الأمثل لباقي أجهزة ومؤسسات الدولة باختلاف مهامها وأنشطتها فهي الجهاز المنتظر أن يكون دائماً القدوة الحسنة لكافة أجهزة الدولة والمجتمع في النظامية والإجرائية والمصداقية طالما هي من تعد الكوادر التي تتولى إدارة شؤون الحياة. حضور آلية المتابعة والرقابة على التطبيق سيجعل النظام ولوائحه خاضعة باستمرار لتقييم ما سيؤدي إلى مراجعة وتطوير تساهم فيه التغذية الراجعة فليس متوقعاً أن يظل النظام ولوائحه متجاوباً مع الواقع المتغيِّر ومؤثِّراته المتعدِّدة، فالجامعات السعودية كان عددها محدوداً ولكنها الآن بالعشرات وأعداد الملتحقين بالجامعات بمئات الألوف والقوى البشرية الأكاديمية والفنية والإدارية بعشرات الألوف وبالتالي فإن حجم الأعمال كبير ما يبرز الحاجة إلى مراجعة وتطوير الأنظمة ويؤكّد ضرورة الرقابة على تطبيقها وصولاً إلى جودة عالية في بلوغ الأهداف. والله ولي التوفيق