عهدته هاشاً باشاً مرحاً ذكياً لماحاً مثقفاً، لا تمل الحديث معه في كل شأن، يضاف لما سلف في شخصه نقاء السريرة والكرم والوفاء والإيثار، وكل مزيّةٍ هي ديدنه منذ سنوات الدراسة الأولى في بداية حياتنا، حيث تشرّفت بزمالته على مقاعد الدراسة.. وقد التقيته قبل أيام ولديّ يقين بشرخ ينزف في وجدانه وإن تماسك بكبريائه ولم يُبد ألمه الذي يعاني منه منذ فقده لأحد أقرب أصدقائه، ولأن أحد الحضور ليس على علم بكل هذا بحكم معرفته جديدة العهد التي لا تمتد إلى أصغر تفاصيل شخص المشار إليه، فإنه تمثَّل ضمن حديثه عن شعر الغزل وحرارة عاطفة الوجد بقول الشاعر أبو دلامة: وَكُنَّا كزَوجٍ من قَطاً في مَفَازةٍ لَدَى خَفضِ عَيْشٍ مُورقٍ نَاعم رَغْدِ فَأَفْرَدَنا رَيْبُ الزَّمانِ بِصَرفِهِ وَلَمْ نَرَ شَيْئاً قَطُّ أَوَحشَ مِن فَردِ واسترسل: إن الفراق على كل الصعد فيه عبرة واستشهد بقول الشاعر عدي بن زيد: كَفَى واعِظاً لِلمَرءِ أيَّامُ دَهرهِ تَرُوحُ له بالْواعِظاتِ وتَغتَدي وهنا أطرق صديقي المكلوم وأخذت عينه ترى شاشة جواله وتتابع صوت وصورة صديقه رحمه الله الذي كان يردد بصوته الشجي أبياتا من الشعر للأمير محمد السديري- رحمه الله- منها: الله خلق دنيا وساعٍ فججها عمَّا يريب القلب لك كم منهاج وكانت مقاطع ذكرياتهما معاً في جواله تحديدا في موسم الربيع وفي أكثر من موضع، منها: (روضة نورة وروضة الخفس ووادي الطوقي وروضة التنهات وشعيب صلبوخ وغيانه وغيرها)، وهنا لم أتمالك نفسي واحترت هل أواسيه أم أشاركه الحزن، وإن كان خيار أحد الأمرين ليس في يدي لحظتها على الأقل. وقفة من أوراقي القديمة: الصداقة كنز باليوم العسير وبالرخاء عز ومراجل بالحياه وما يحقر الناس غير اللِّي حقير غارقٍ ولا شماته في رداه شذرة السيف الذي حدّه شطير ما يبيّنها سوى كفٍ قناه قبلنا قالوا بجناحٍ ما يطير طاير وباثنين كفَّاخ بسماه يا متطاول عمرك الفاني القصير كم توفَّى شخص ما حقّق مناه ما ينام الليل والخاطر كسير من تبيّن داه وبكفه دواه الزم اللي وافيٍ عقله بصير ورايه الناهي بعيدٍ في مداه خيّرٍ من رفقته يجيك خير ولد حصنٍ ما تبدّل به سواه كان حظّك ساعفك هو لك خشير وكان حظّك عاضبك تلقى وفاه والخطأ لا جاء صغيرٍ من كبير إدمحه بالريش لا تبحث خفاه عش كثير تشوف بالدنيا كثير ومن صبر ظفر وحقّق مبتغاه ومن نهل من سلسبيلٍ بالغدير الثمايل عافها لو قل ماه ومثل فرق البرد عن لفح الهجير أو سواد الليل عن شمس بسناه فرق (صاحب) عقب ربك لك نصير عن (صويحب) ليت تسلم من غثاه..!