لماذا يحدث كل هذا الجنون على الأراضي العربية فقط، ولا شيء منه على الأراضي الإيرانية؟. من المعلوم أن كل الأصابع من مختلف الجنسيات تسرح وتمرح في البلدان العربية، إلا أن ذلك يتم بشيء من التستر والسرية، ما عدا ألاعيب الأصابع الإيرانية. إيران تلعب فينا وبنا على المكشوف. لا توجد بقعة عربية واحده تنتشر فيها الحرب الأهلية إلا ولإيران حضور معلن وواضح فيها. إيران تتواجد عسكرياً وتمويلياً واستخباراتياً وإعلامياً في كل قطر عربي، كبر أو صغر. الشيء الوحيد الذي لا تمارس فيه إيران مبدأ التقية المباحة مذهبياً عندها هو تأجيج وتمويل الصراعات في دول الجوار من كل نوع. لا تقية على الإطلاق تستخدمها إيران في البحرين واليمن والمنطقة الشرقية بالسعودية والسودان. أما العراق وسوريا ولبنان فلا تحتاج إلى تبرير التدخل، لأن إيران تعتبرها ضمن الامتداد الجيوسياسي للجمهورية الإيرانية. أصبح تدخل إيران في كل دولة عربية من ضمن البديهيات والحقائق اليومية، لكن لا يتم التعامل معه سوى بطريقة تضميد الجراح ومحاولات إطفاء الحرائق التي تشعلها إيران في المنطقة. كيف استطاعت إيران، وهي إحدى دول العالم الثالث (تبذل جهوداً واضحة للتقدم نحو العالم الثاني) أن تحدث كل هذه الاختراقات والمقادير الهائلة من التخريب وتدمير البني التحتية وتهديد الحدود والتلاعب بالمكونات الداخلية لأكثر الأقطار العربية؟. كيف استطاعت فعل ذلك دون أن يحاول طرف واحد على الأقل التقاط إحدى المتفجرات الإيرانية من فنائه الداخلي وإعادة رميها إلى الفناء الذي جاءت منه؟. إذاً لابد من وجود سر أو أسرار تسمح لإيران أن تتلاعب بأمن واستقرار ومستقبل هذه المجموعة من الدول العربية التي كلها مثل إيران دول عالم ثالثية بنفس المقاييس. التعليل بفارق عناصر القوة بين إيران وجيرانها لا يقبله العقل لأن الكفة ليست لصالح إيران هناك أسباب أخرى، ولها دلالات تشير إلى الخلل البنيوي في جيران إيران أنفسهم، ومنها على سبيل الأمثلة: - إيران لها تعاطف فعال في بعض دول مجلس التعاون الخليجي. حجم التبادل التجاري والمصرفي والبنكي والزيارات المتبادلة أمثلة على الأنشطة مع إيران التي قد تتعدى أحياناً مثيلاتها بين دول مجلس التعاون الخليجي نفسها. يضاف إلى ذلك السكوت الإعلامي المتبادل. - إيران لها علاقة طيبة مع السودان على المستوى الحكومي والاستخباراتي والعسكري. أصبح السودان معبراً لتصدير التخريب الإيراني إلى اليمن والسعودية ومصر وليبيا، وفيها مرسى للبوارج الحربية الإيرانية. - إيران تتمتع منذ ثورة الخميني بعلاقات تعاون مع تنظيم الإخوان المسلمين، خصوصاً في مصر وفلسطين، ومع الإسلام السياسي في السودان وتونس والجزائر والمغرب، ولها علاقات تبادل منافع مع الحراك الانفصالي في جنوب اليمن. - مع دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً مع الدولة الألمانية تتمتع إيران بميزة المعاملة المفضلة، ولها تبادلات تجارية ضخمة جداً مع هذه الدول، طول النفس في المحادثات النووية نتيجة جزئية لهذه الأفضلية في التعامل. - علاقة إيران مع تركيا وروسيا والهند والصين واليابان ممتازة على كل الأصعدة، وعلاقتها مع إسرائيل تقع تحت بند الفوضى الخلاقة. انتهت الاستدلالات الجزئية.. إذاً ليس لإيران في الحقيقة أيّ عداوات مواربة أو معلنة مع العالم سوى في الجزء العربي منه، والسني بالذات، وخصوصاً الجوار المباشر. يجب الاعتراف هنا بأن أكبر مساعدة تكتيكية وإستراتيجية تقدمها الحكومات العربية لإيران تتمثل في انشغال هذه الدول وفشلها مع مشاكلها الداخلية بمقاييس أنظمة الدول الحديثة. كل الدول العربية تعتمد الحلول الأمنية في التعامل مع قضاياها الحقوقية والانفجار السكاني والبطالة وارتفاع نسبة الشباب في مكوناتها الديموغرافية. لو..، أقول لو تعاملت الدول العربية مع قضاياها الداخلية بالمعايير الحقوقية والعلمية الماليزية، أو على الأقل بالمعايير التنموية التركية، لانفجرت إيران بمشاكلها من الداخل ذاتياً، ولهدم الإيرانيون أنظمة حكمهم الخمسة على رؤوس الملالي والآيات بسبب الإحباط التنموي والحقوقي والمقارنة مع الناجحين في دول الجوار. الخلاصة: قوة إيران تكمن في تصدير مشاكلها وفي إمكانية تقبل الجيران للبضاعة بسبب فشلهم في ترتيب بيوتهم العربية من الداخل.