في الزمن الجميل، كان الناس على سجيّتهم، وطباعهم الجميلة،الحاضر في ذلك الوقت، متانة التماسك بين شرائح المجتمع،كانت أبواب المنازل مفتوحة على الدوام، شعار تلك الفترة الجميلة، الكرم والرجولة، لا تجد للخنوع ولا للميوعة أدنى حضور، ولا حتى أدنى معرفة بسلوكياتها العكسية.. وكما أن المال، شريان الحياة، طوّعه البعض، ليكون منغصاً لها، عندما حلّ في يد من لا يقدر قيمته، ويحسن التصرف معه، الإنسان خلقه الله، فأحسن خلقه، ورزقه عقلاً، بواسطته وبسببه، يستطيع أن يعيش عيشة هنية، مملوءة بالسعادة والراحة، متى ما خلا من المؤثرات العكسية، العقول البشرية السوية، ترفع الإنسان لمدارج الرقي والارتقاء، وتعمّر الحياة، بمختلف شئونها، كما أرادها الله، لكن تعالوا - يارعاكم الله - لنشاهد، المشاهد المخيفة في هذا الزمن، زمن الطفرات المالية، والتقنية، لنشاهد ما لم يكن حتى ولو مجرد أحلام، الدنيا هي هي، والزمن هوهو، والإنسان بلحمه ودمه هو هو، فقط، تغير الطباع، وتغير النفوس، هو السائد في هذا العصر، الذي من شعاراته، التباعد بين الأقارب والأصحاب، والتباهي بالممتلكات، كل ذلك بسبب وفرة المال، بيد قليلي الفهم والإدراك،لك أن تلحظ مبالغ خيالية، تتوفر بيد من لم يعمل عقله إلا في دائرة ضيقة من اهتماماته، حتى وُصمت حركاته وتحركاته، بأنها تحوم في سوق غسيل الأموال في كذا مشهد. تعالوا معي قليلاً مع ما عرف لدينا في هذه الحقبة، بمزايين الإبل، ومزايين الماعز، ومزايين الدجاج، قد يقول قائل، ما يضيرك، هذه هواية يمارسها أربابها، لنفرض أنها والحالة تلك، لكن كون هذه الهوايات تتم تحت مظلة الهوس غير المنضبط، فهذا أمر منفّر، وممجوج، وغير مقبول، أنت ترى في كل سنة مزايين الإبل، وهو ما أستطيع استبداله بالقول، أنها مزايين (البلوى) على المجتمع، ألم تروا إلى ما وصلت إليه من مبالغ، تبني دولاً من العدم، أين مردودها على الوطن والمجتمع؟ هل سمعتم واحداً من أربابها تبرع لجمعية خيرية، كجمعية السرطان، أو مرضى الكلى، أو جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، أو تبرع للمحتاجين والمساكين من الأرامل والمطلقات وغيرهم؟ هل تتوقعون البعض قد فضّل هذه الحيوانات والطيور على أبنائه في المأكل والمشرب والتربية والعناية والمتابعة على أسرته وأبنائه، هل تتوقعون أن يتبرع أحدهم بجزء من قيمها الخيالية، لهذه الجمعيات الخيرية، أو يتكفل باليتامى والمساكين والمحتاجين في مجتمعنا، وما أكثرهم؟ كلا! لم أسمع قط من تبرع بهذه الكيفية والهيئة، لك أن تشاهد حالتهم وقت المزايين السنوية، تحكم على الواحد منهم من أول وهلة، كأنه فاقد لعقله، لو مر بجواره ابنه أو ابنته أو قريب له، لما عرفه من هول ما هو فيه في تلك اللحظات الطاغية، مزايين قادتنا إلى الخلف در، وتركت خلفها عقولاً جديرة بأن تحظى بالاهتمام، لتكون رائدة في الإنتاج الفكري والاقتصادي والعسكري، هذه المزايين نالت من العناية والرعاية والاهتمام، مالم ينله ما هو أهم منها، لم تنله عقول في الجامعات وفي المرافق الصحية، لترتقي بالوطن، مزايين، بسبب المغالاة فيها وتقديسها، وبسبب تبذير النعم وقتها، قد يحل فينا عقوبة إلهية، تأخذنا على حين غرة، مشاهد الإسراف والتبذير في هذه المزايين، تقطع القلب وتجعل الإنسان في حيرة، شاحنات وشيولات تحمل الأكل كاملاً مع الجمال والأغنام المذبوحة، لترميها في البراري، يا له من قبح الفعل، وقبح الفاعل معاً، هؤلاء أقل ما يقال عنهم، بأنهم يتصرفون لا إرادياً، يجب مناصحتهم، لبيان ضرر ما هم فيه، على الدين والمجتمع، خشية العواقب غير المحمودة، وفي الجانب الآخر، كم نحن بحاجة إلى تبنّي عقول بشرية، تُغذّى بالفكر الناجع، يقام لها، مزايين، هي أولى بها من مزايين الحيوانات والطيور، هذا هو محل الفخر والاعتزاز والمجد، وهذا هو مكان المسابقات الشريفة النبيلة،التي تبسط نتاج فكرها للجميع وعلى الدوام، لا ملايين لا ندري أين تذهب، وأين في الأساس مصدرها، مزايين الإبل، في نظري حان الوقت، للحد من تناميها، والعودة بها، إلى طريق الرشد، وما أدراكم لو كانت هذه الأمراض وهذه المصائب والفتن، كانت بسبب تقديسنا لها وإسرافنا وتبذيرنا في فتراتها المتلاحقة والمتلاطمة، الوطن بحاجة إلى عقول نيرة وفاعلة ومنتجة، وليس بحاجة إلى إبل وماعز وطيور، قد تجلب الأمراض، وتغسل فيها الأموال، وتبذر فيها النعم، والمجتمع بحاجة إلى تنمية ثقافة أبنائه، لا تنمية حيواناته على حسابهم، فنعم، لمزايين العقول، ولا، لمزايين الإبل، ويا أصحاب الإبل، اكتفوا بهواياتكم المفضلة، في دائرتكم الضيقة، كلوا من لحومها واشربوا من ألبانها، واحمدوا ربكم، واشكروا له، يزدكم، وابتعدوا عن دواعي غضب الإله...ودمتم بخير.