كانت البداية من لندن 18 سبتمبر 1991م مغامرة محفوفة بالمخاطر لإعلام خاص يريد أن يشق طريقه وسط هيمنة إعلام رسمي من خلال تقديم إعلام جديد برؤية مختلفة للأحداث! لا؛ بل يمكن القول إن أداء الإم بي سي المختلف رسم خط الإعلام التلفزيوني الجديد مع بداية طفرة البث الفضائي وشكل صورة ولغة ومهنية الخطوط الأولى للمحطة التلفزيونية المتحررة من قيود الرسمية وتقاليد الأداء المتوارث المحنط. كان الإعلام الرسمي في تلك الفترة يعيش في قبو الموروث من الأنماط الأدائية المتزمتة، ويفرض رموز المدرسة الإعلامية الأولى ما تلقوه وحفظوه ومارسوه من طرائق في الأداء وفي المحتوى بصورة نمطية أشبه ما تكون بالمقدسة من خرج عليها يعاقب إما بلفت نظر أو خصم أو إيقاف، ولا يمكن أن ينسى المشاهدون إلى ما قبل ثورة الفضائيات كيف كان يخرج مذيع القناة الرسمية وكيف كان يؤدي؛ بل كيف كان يرسم هندامه المفروض بتوجيه إداري صارم؛ بحيث يسبل الغترة أو الشماغ ولا يرفعها أو يميلها أو يلف طرفاً منها على طرف آخر! أما الابتسامة فقد كانت بمقدار محدد؛ فإن زادت أو تكررت أودت بصاحبها إلى المساءلة والتحقيق! خرجت الإم بي سي من لندن وبدأت تكون لها طبقات من الجماهير وفي الوقت نفسه تكون أيضاً مدرسة جديدة تزاحم المدرسة الإعلامية التقليدية المهيمنة التي لم تستطع إحداث أثر يذكر في جماهيرها المتابعة؛ بل إن الأمر السائد المعروف في تلك المراحل وإلى اليوم هو التندر أو التحسر على تلك الأزمنة الطويلة التي لم يجد فيها المتابعون سبيلاً ولا مفراً إلا متابعة الإعلام الرسمي 1 و2 المقيد والمثقل بالنمطية. وهكذا توالى نجاح المجموعة الوليدة على يد قائدها الوليد الإبراهيم بفكر ثاقب ووعي عميق وإدارك متبصر لحاجة المملكة والوطن العربي إلى إعلام جديد يقدم المعلومة والخبر بموضوعية ومهنية عالية، لتوالي المجموعة نجاحاتها الكبيرة التي بدأت من استديو إم بي سي لندن ثم دخلت مرحلة جديدة مختلفة 2001م حينما انتقلت إلى دبي لتنطلق بصورة أكثر حداثة وتنوعاً وشمولية؛ حيث توالدت سلسلة طويلة متتابعة من المحطات الإذاعية والتلفزيونية للمنوعات وللدراما وللأفلام الأجنبية وللأكشن وللأطفال وغيرها، وفي عام 2003م بدأت المجموعة بث محطة إخبارية جديدة هي «العربية» مواكبة أحداث الغزو الأمريكي للعراق اجتمع في بنائها ما تراكم من خبرات إعلامية وفنية لدى المجموعة واضعة أمامها مخاطر المنافسة الإخبارية مع الجزيرة الإخبارية التي كانت مهيمنة على الفضاء الإخباري؛ ولكن العربية بخفتها ورشاقتها ولغتها الإخبارية الجديدة وأهدافها الواضحة وابتعادها عن الاستقطاب الأيدلوجي استطاعت أن تتفوق على الجزيرة التي انكشفت بكل الوضوح واحترقت أوراقها مع عواصف الخريف العربي الذي لم يفلح أداؤها الموجه من خلال (الجزيرة الإخبارية ومباشر) في قلب الخريف إلى ربيع أو تأجيج الشارع العربي ليمعن في مواصلة إشعال الحرائق في عواصمه العربية بحجة التغيير الموهوم كما تتمنى الجزيرة ومن وراءها من ممولين ومدبرين من عرب وأعاجم! نجحت العربية في سحب البساط من قنوات الجزيرة التي يزعم مؤسسوها أنها تمثل المهنية العالية والتفوق في تكوين أداء جديد مبني على قيم إعلامية موروثة من خلال إعادة صياغة خبرات الرموز العربية الكبيرة في محطة البي بي سي اللندنية الشهيرة في قالب جديد؛ وكان لها ما أرادت فترة غير طويلة من الزمن لم تسعد فيها بالاستمرار في الهيمنة على الشارع العربي؛ ففاجأتها «العربية» بمحتوى وبأداء غير معهودين، وبتقنية فنية عالية جعلت الجزيرة تنزوي وتضمر بحيث يمكن أن تصنف بالكلاسيكية قياسا إلى منافستها الجديدة التي أثبت سوق الإعلان وهو أحد من يؤخذ رأيهم في الحسبان بأنها المحطة الإخبارية الأولى بدون منازع. وتبدأ «الإم بي سي» مصر مرحلة جديدة من الانتشار العربي المتخصص؛ بحيث يمكن أن تكون «الإم بي سي» في أية عاصمة عربية مستقبلاً الوجهة الإعلامية الأولى لتلك العواصم. يتبع..