تعني «بوكو» بالهوساوية النيجيرية «التعليم» أي التعليم حرام!.. وتقصد الجماعة أن التعليم على الطريقة الغربية حرام! لا تحبذ بوكو حرام أن يُطلق عليها هذا الاسم، لكنها عُرفت به، لمناداتها في خطابها اليومي برفض الحضارة الغربية بأنماطها المختلفة وصيغها المتعددة وثقافاتها المتنوعة! تُعرّف هذه الجماعة الإرهابية المتطرفة نفسها بأنها «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد» أسسها عام 2002م رجل يُدعى محمد يوسف، وجمع حوله أعداداً من الطلبة الذين تخلوا عن دراستهم - شباناً وشابات - وهجروا المدن واستقروا في الجبال والأرياف البعيدة عن الحواضر وتمركزوا في قرية «كناما» بولاية يوبي شمال شرقي نيجيريا على الحدود مع النيجروتشاد، وانضم إليها عددٌ من التشاديين الناطقين بالعربية، وقد عرفت بوكو حرام بأنها «طالبان نيجريا» وسعت الجماعة إلى إظهار نفسها للسلطة وللإعلام الدولي عام 2004م بإصدار بيانات تُعرِّف بأفكارها وما تدعو إليه من قطع الصلة بالغرب وثقافته، وبدأت في مهاجمة مقرات الحكومة النيجيرية والاعتداء على مراكز الأمن واغتيال عدد من المسئولين والمرشحين للانتخابات وترويع الناس وخطف أعضاء من الحكومة ومطالبة السلطات بإطلاق من تعتقلهم من أعضاء الجماعة أو دفع فدية لبوكو حرام! وقد شنّت السلطات النيجيرية على هذه الجماعة المتطرفة حملات إبادة لأعضائها في مخابئهم واستخدمت العنف الدموي ضدها، وقتلت زعيمها محمد يوسف عام 2009م فخلفه «أبو بكر محمد شيكاو» الذي صعَّد من عمليات المواجهة مع الحكومة ومع غير المسلمين، وبخاصة المسيحيين، فقتل منهم من قتل وأحرق كنائس عدة في شمال نيجيريا وشرقها. وكانت آخر عملياته الإرهابية خطف ثلاثمائة فتاة مسيحية من إحدى المدارس الثانوية، ونجا عددٌ منهن بالفرار، واحتجزت «بوكو حرام» مائتي فتاة وأعلن زعيم بوكو أنهن أسلمن وسيزوجهن أو يبيعهن في سوق النخاسة سبايا! وهو إذ يُصرح بأفكاره الضالة تلك، يزعم أن الله تعالى أمره بقتل غير المسلمين وسبي نسائهم، إذ يقول «أحب أن أقتل من يأمرني الله بقتله، تماماً كما أحب قتل الدجاج والأغنام». وما يدعو إليه هذا الضال المنحرف الذي يزعم الدعوة والجهاد «شيكاو» ليس بدعاً، فهو يغترف من فيض أفكار حادة متطرفة تطفح بها صحاري وجبال وغابات وأدغال أفريقيا، من الجزائر إلى تشاد إلى أفريقيا الوسطى إلى الصومال، مستمدة طاقاتها الفكرية وتنظيراتها من أئمة القاعدة وجماعات التكفير والهجرة المصرية التي وجدت الحضن والملجأ قديماً في أفغانستان بعد مطاردة الحكومة المصرية عناصرها وسجن آلاف منهم، ففر من سلم منهم بجلده إلى أفغانستان حين كانت في أزمة الحرب مع روسيا، وتوالدت هناك الأفكار الصِّدامية المضادة للأنظمة السياسية العربية وللغرب معاً، وجمع المحضن الأفغاني الملتهب المصري والتونسي والليبي والجزائري والأفريقي واليمني والسعودي والشامي وغيرهم، وتكوّنت المعسكرات التي تدرس أسس التكفير، وتنشئ الخلايا والشبكات ثم تصدرها إلى بلدانها الأصلية، وهكذا وجدنا بعد أن انسحب الروس من أفغانستان مذلولين تحت نير الاستبسال الأفغاني والعربي والإسلامي والدعم الغربي جماعات جهادية مدربة جاهزة للبدء في تنفيذ وتطبيق الخطط التي تعلمتها وتدربت عليها ونالت عليها شهادات تفوق وجدارة بالبسالة والصمود والإقدام، وحان وقت تنفيذ مشروعات تغيير الأنظمة الضالة - كما يزعم الفكر التكفيري - وتمت صياغة هوية فكر مخلفات الأزمة الأفغانية وفلول القتاليين الذين لم يجدوا لهم جبهة يشتغلون فيها بتنظيم «القاعدة» الذي تولى كبر تأسيسه ونحت خطابه ورسم حدود مشروعه الدموي التخريبي أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وخلفهما الصف الثاني من القياديين المتطلعين إلى الزعامة وتحقيق الانتصار على أنظمة بلدانهم العلمانية الكافرة - كما يرون - وانطلق الفكر القاعدي الإرهابي من جبال تورا بورا إلى العالم كله، لا إلى بلدان العرب والمسلمين فحسب، بل حتى إلى عواصم الحضارة الغربية والشرقية من موسكو إلى الشيشان إلى لندن وباريس وبروكسل ومدريد وبوسطن ومقديشيو وبوجا وغيرها.. يتبع