حبيب عن الأحباب شطت به النوى وأي حبيب ما أتى دونه البعد!! لاتزال قوافل الراحلين تمر بنا ليلا ونهارا بمن انتهت إقامته في الدنيا رجالا ونساء صغارا وكبارا من بني البشر إلى أرماسهم.. حتى ينفد البشر: كيف البقاء وباب الموت منفتح وليس يغلق حتى ينفد البشر!! فتعاقب الأجيال جيلا بعد جيل لحكمة أرادها الله لعمارة هذا الكون، واستمرار العنصرين من الجنسين لعبادته إلى يوم قيام الساعة، قال الله في محكم كتابه العزيز {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. الآية، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها..، ومع علمنا اليقين بحتمية الوفاة لكل كائن حي وإن طال به العمر..، إلا أن الحزن عليهم موجع للقلوب يظل مقيما في النفس ممدود الطّنب.. أزمانا طوالا إذا فقدنا غاليا من والدين وأخوة أو أبناء وأصدقاء..، فبالأمس القريب انتقل إلى -رحمة الله- أحد أبرز وجهاء محافظة الأحساء عميد أسرة آل مبارك وأدبائها بالأحساء: الصديق الكريم الشيخ عبدالله بن ابراهيم آل مبارك الذي لاقى وجه ربه صباح يوم الاثنين 6/7/1435ه آخر أيامه من الدنيا.. وأديت عليه الصلاة بعد صلاة الظهر بجامع الصالحية بالأحساء في أجواء غائمة من الحزن والأسى عمت أرجاء محافظة الأحساء والمنطقة الشرقية عموما، أسفا على رحيله، وانثلام عقد مجالس أسرة آل مبارك الأدبية والاجتماعية..، ولقد اتسم -رحمه الله- بالسماحة والكرم، وبشاشة المحيا، ولين الجانب، وبسرعة البديهة في إيراد الشواهد الشعرية أثناء المحادثة معه، وهذا يدل على تمكنه من زمام الفصاحة والبلاغة، وذلك من طبيعته، وطبيعة أسرة آل مبارك، فهم مجيدو الإبحار والعوم في أنهر الثقافات والعلوم عذبة الموارد وآدابها، فمجالسهم دوما عامرة بالأحاديث الشيقة، وبالمطارحات الشعرية والأدبية..، ولقد ولد الشيخ عبدالله بحي الصالحية بالأحساء عام 1337ه -تقريبا- «أي لامس التربع على الهنيدة» -رحمه الله رحمة واسعة -، وقد نشأ يتيما فاحتضنه عمه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز آل مبارك قاضي الظهران -آنذاك- فأحسن تربيته، وعاش في بيئة علم وأدب وكرم، وبعدما ختم القرآن الكريم انضم الى حلق العلم التي تعقد في المساجد، وفي بعض مجالس العلماء، وقد وهبه المولى سرعة في الفهم والحفظ، وقوة الملكة حينما يقف مرتجلا في بعض المنتديات والمناسبات..، وقد تكونت لديه ثروة في مبادئ العلم..، وعندما افتتحت أول مدرسة ابتدائية عام 1356ه التحق بها، المعروفة (بالمدرسة الحميدية)، وفي تلك السنة زار الاحساء صاحب الجلالة الملك سعود بن عبدالعزيز - حينما كان ولياً للعهد - فألقى كلمة ترحيبية وافية امامه رحمه الله- قدم فيها الشكر الجزيل على تواضعه الجم وتشريفه بزيارة المدرسة التي لم يمض على افتتحها سوى شهرين..، بعد ذلك بفترة زمنية.. انتقل مع عمه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز آل مبارك عندما عين قاضيا في الظهران عام 1358ه حيث طلب من والدته مرافقته بعد وفاة والده، ثم عينه كاتبا عنده، وبعدما تحسنت حاله المادية فتح باب منزله لمن يؤمه من الزوار من أفراد اسرته وغيرهم من معارفه من ابناء الخليج، فيقوم بإيناسهم وإكرامهم، ولقد استفاد من سجايا عمه الشيخ القاضي ومن صفاته الحميدة صفات السماحة والكرم: حبيب إلى الزوار غشيان بيته جميل المحيا شب وهو كريم!! وبعدما تطورت المنطقة الشرقية وتعددت المحاكم في أنحائها تم تعيين - أبو ابراهيم - مديرا عاما للشؤون الادارية في رئاسة محاكم المنطقة الشرقية ومقرها الظهران، وذلك عام 1386ه الى أن تقاعد عام 1399ه، ولنا مع الشيخ الفاضل عبدالله ومع أسرة آل مبارك ذكريات جميلة لا يمحوها كر الجديدين مدى عمري، لا أزال ذاكرا أول لقاء به وبأسرة آل مبارك في مجلسهم العام بحي الصالحية بالاحساء في اواخر عام 1412ه، حيث حضرت بصحبة الصديقين الكريمين د. المحامي ابراهيم بن عبدالرحمن المديميغ، وزميل الدراسة بدار التوحيد بالطائف د. حمد بن ابراهيم السلوم -رحمه الله- اذ عرضا علي أن أرافقهما الى مدينة العلماء والأدباء فسعدنا بمعرفتهم عن قرب، وكان -أبو إبراهيم - في طليعة تلك الكوكبة من المشايخ والأدباء مرحبين بنا، وقد بالغوا في إكرامنا وأكد الشيخ - عبدالله - أن نبيت في قصر الضيافة في مزرعته الحافلة بمئات الفسائل والنخيل وبشجيرات الورود متفتحة الأزهار، وعند توديعهم أتحفنا بكمية كبيرة من الورود ومن جيد التمور، شكر الله له وأجزل له المثوبة، وقد خطر ببالي ذكر هذا البيت للشاعر عبدالله بن المعتز: فأحي ذكرك بالإحسان تزرعه يجمع به لك في الدنيا حياتان تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته وألهم ذويه وابنيه الدكتور إبراهيم والأستاذ الوليد وبناته وجميع أسرة آل مبارك ومحبيه الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.