1 - كتبت كلمة (الرثاء) في لسان العرب على ثلاث صُور: (رَثَى) و(رِثَاء) و(رَثَّاء).. وهو البكاء على الميت وتعداد ما كان يتصف به من صفات حميدة. 2 - والرثاء يأتي إما عزاء للذات وتنفيساً لمكنونها كنوع من الاستشفاء الداخلي لمن فقد قريباً أو عزيزاً.. أو ثناء على مفقود.. أو تعزية لأهل الفقيد.. أو مواساة على وضع أو حال قد تبدل إلى الأسوأ. 3 - واتفقت العرب على أن للشعر غرضين: مدح وهجاء.. فإلى المدح يرجع الرثاء والافتخار والتشبيب والوصف والحِكَم والمواعظ.. أما الهجاء فهو عكس ذلك كله.. كما اتفقت العرب على أن أصدق الشعر هو الرثاء لأنه لا ينتظر مكافأة ولأنه يخرج من قلوب ملتاعة.. وربطوا شعر المدح بكلمة (أنت) والهجاء بكلمة (لستَ) والرثاء بكلمة (كنتَ). 4 - شعر المدح مباشر مصنوع تطلُّعي.. أما شعر الرثاء فهو شعر متأمل في الحياة والموت.. حيث يتجاوز الرثاء شخص المرثي إلى أبعاد أخرى فلسفية بخلاف تأملي المدح الذي يقف عند الشخص الممدوح ولا يتجاوزه.. كما أن شعر الرثاء يؤكد سمعة بينما شعر المدح يبني صورة.. أي أن الرثاء تاريخ والمدح حاضر.. الرثاء تذكر لماضٍ فات والمدح وصف لحاضر قائم.. الرثاء أسف على فقد والمدح شُكْر على مَغْنَم.. الرثاء تأسية على خسارة والمدح حث على زيادة. 5 - شاعر المدح أو الهجاء يمكن أن يبالغ في مدح أو هجاء الآخر.. في حين شاعر الرثاء تكون مبالغته في إيذاء مشاعره هو نفسه وليس المرثي.. لأنه يصدر عن ذات الراثي التي يكتنفها الحزن وليس الغضب للهَجَّاء أو الطمع للمادح.. لذلك شعر الرثاء هو تعبير عن حوار داخلي وجداني عاطفي يستند إلى الذكريات.. وهذا جعله بعيداً عن المباشرة فتحرر من الغاية المصلحية أو الغرض الشخصي. 6 - أشد الرثاء إيلاماً هو رثاء النفس.. فهو في حالات يكون بكاء الأعماق وفي حالات أخرى صفعاً للروح وجلداً للذات تؤدي بالفرد إلى الإحباط ثم الاكتئاب.. رثاء النفس هو رثاء للعمر وفوات النصيب وخسارة الحاضر وربما المستقبل.. رثاء النفس هو إعلان التوقف والانسحاب واتهام الحظ والزمان قبل الانصراف.. خلاصة المعنى من رثاء النفس هو كلمة (يا ليت).. أي أنها أمنية فاتت.. حينها يضج رأسك برثاء الحال.. ويفر قلبك من مكانه.. ويبدأ بالتراقص كالمذبوح.. يفقدك النوم.. وشهية الطعام.. والإقبال على الحياة فتمرض. 7 - رثاء خاص: كيف أرثيك يا عمي عبدالعزيز فقد احتضنت وحدك قطعة من عمر طفولتي.. فلن أنساك أبداً.