كثيرة هي المواقف التي تمر بحياة الإنسان وتغيِّر مجراها، وتتراوح هذه المواقف بين الإيجابية والسلبية، فرح وحزن، خير وشر، أبيض وأسود، صبح وظلام، أمل وألم... فهكذا هي الحياة. ومما لا خلاف عليه أن المواقف المؤلمة هي الأكثر تأثيراً على النفس البشرية، تهلكها، وتأخذ منها الكثير حتى تبرأ. والأشخاص يختلفون في طريقة تلقيهم للصدمات أو المواقف المؤلمة، فمنهم من يواجهها ويردها أو يتعلِّم منها، ومنهم من يتلقاها بطريقة سلبية، فيستطعم الحزن، ويوقف آلة الزمن، ويتيح لها فرصة إيذائه بألم وقسوة. قالت العرب قديماً (الزمن دواء يداوي كل داء)، واشتهر المثل الإنجليزي (الزمن يداوي)، أي أن مرور الوقت كفيل بعلاج آلام النفس. فهل حقاً يستطيع الزمن أن يداوي الجراح؟ وهل لمضي السنين المقدرة على دمل جروح القلب؟ تراوحت الآراء بين مؤيِّد ومعارض، تقول رُبى: إن الزمن لا يداوي الجراح، بل يداويها وجود أشخاص حولنا يعملون جاهدين على تخفيف آلامنا، فهم كالدواء نصرفه في وقته ليمنع صحتنا من التدهور كما يمنعنا من الانهيار. أما شذى فترى أن مرور الزمن يجعلنا نتناسى ما مررنا به، إلا أن آثاره تبقى داخل النفس. أما محمد فيؤيِّد أن الزمن كفيل بمداواة الجراح، بل نسيانها، فمشاغل الحياة كثيرة قد تلغي كل أثر لأي موقف. وأميرة تؤيِّد أيضاً. أما تامر فيقول: إن الزمن يداوي الجروح إذا ساعدنا أنفسنا، أما بغير ذلك فسندور في دوامة مفرغة. ومنى تقول: إن الزمن سيف ذو حدين، فقد يكون صديقاً مساعداً، وقد يكون عدواً، وكلاهما يعتمد على قرارنا، فبإمكاننا استحضار المواقف الجميلة التي حصلت في حياتنا، كما بإمكاننا التعلّم من المواقف المؤلمة، فهكذا نساعد أنفسنا. وأنا أقول: أحياناً يبدو لنا أن الكرب لن ينتهي أبداً، لكن في الحقيقة لكل شيء نهاية. والزمن بلسم يداوي الجراح، لكنه لن يتمكَّن من ذلك بدون مساعدتنا... فلكل مهموم محزون أقول: انهض، وتسلّح بالقوة والأمل بأن القادم أجمل، نظف جراحك وقم بتضميدها وخياطتها وتعلّم منها، وثق بأن العوض من رب العالمين، فالله ما بكت عين إلا وفوقها رب رحيم يخبئ لها الأجمل والأفضل... وهذا الكلام مجرب.