الذي يتابع موجات وسير القتال على الساحة السورية يكتشف أن هناك تدخلاً في توجيه سير المعارك، فما أن تتقدم قوات الثوار السوريون ويوشكوا على إنهاء حكم بشار الأسد حتَّى يتبدّل الموقف وتبدأ قوات المعارضة بالتراجع، وتبدأ قوات النظام باسترجاع المواقع التي فقدتها، ويَتمُّ ذلك عبر تمكين نظام بشار الأسد من الاستعانة بالمليشيات الطائفية وقوات نظامية على شاكلة الحرس الثوري الإيراني وقوات حزب حسن نصر الله، والسماح بتدفق الأسلحة القتالية من الأسلحة الثقيلة والمدمرة كالصواريخ والطائرات المقاتلة المرسلة من إيران وروسيا، وبهذه الأسلحة ومشاركة عشرات الآلاف من المقاتلين يسترد النظام السوري عشرات المواقع والمدن التي فقدها؛ كالذي يحصل الآن في جبال القلمون، وقبل ذلك في حمص والقصير، وقبل أن يهنأ حلفاء بشار الأسد بإقامة الحفلات كما حصل من أنصاره في لبنان، ينتفض الثوار ويكيلون لنظام بشار الأسد الضربات، بل يبادرون إلى فتح جبهات قتالية جديدة مسجلين انتصارات تُهدِّد بقاء بشار الأسد كما يحصل الآن في جبهة الساحل السوري. طبعًا موجات القتال هذه التي تتخذ أسلوب الكرِّ والفرِّ توقع عشرات الآلاف من القتلى وتدمر العديد من المدن وتهدم المنازل وتنال من البنية الأساسيَّة للبلد، وكأن المقصود تدمير سورية وحرمانها من شبابها ورجالها والقضاء على التنمية فيها. الآن وحسب إحصاءات الأممالمتحدة أن حصيلة القتلى في سورية منذ مارس عام 2011م وصل إلى 150 ألف شخص، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المرصد السوري أنّه (وثق مقتل 150344 شخصًا منذ انطلاقة الثورة السورية في 18 مارس 2011م في محافظة درعا، حتَّى تاريخ 31 مارس 2014م). والقتلى هم 51212 مدنيًّا بينهم 7014 طفلاً، و58480 من عناصر قوات النظام والمجموعات المسلحة الموالية لها، و37781 من مقاتلي المعارضة وبينهم جهاديون، بالإضافة إلى 2871 قتيلاً من مجهولي الهوية. وينقسم مقاتلو المعارضة إلى جنود منشقين ومدنيين حملوا السلاح ضد النظام وجهاديين ومقاتلين من جنسيات عربيَّة وأجنبية. كما أشار إلى أن خسائر النظام تتوزع على الشكل التالي: 35601 من قوات النظام، و21910 من اللجان الشعبية وجيش الدفاع الوطني، و364 عنصرًا قتلوا من حزب الله اللبناني و605 مقاتلين من الطائفة الشيعية من جنسيات غير سورية. وعبَّر المرصد عن اعتقاده بأن العدد الحقيقي للقتلى في صفوف الكتائب المقاتلة السورية والقوات النظامية أكثر من ذلك، لكن يصعب عليه توثيقها بدقة (بسبب التكتم الشديد من الطرفين على الخسائر البشرية). ويقول المرصد: إنّه يعتمد على شبكة واسعة من المندوبين والمصادر الطّبية في كلِّ سوريا للحصول على معلوماته. وأشار في الحصيلة التي أصدرها إلى أن هناك أكثر من 18 ألف مفقود داخل معتقلات القوات النظامية، والآلاف ممن فقدوا خلال اقتحام القوات النظامية لمناطق سورية عدة، وأكثر من 8000 أسير من القوات النظامية والمسلحين الموالين لها لدى مقاتلي المعارضة، بالإضافة إلى مئات المخطوفين لدى الأطراف المختلفة. والمأساة أن آلة القتل حصدت النسب الكبرى من أصحاب الكفاءات المهنيَّة والعلميَّة وشملت الآلاف من الأطباء والمهندسين والباحثين والعلماء وأساتذة الجامعات والمحامين والقضاة، فضلاً عن عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات وأكثر من ثلث القتلى من الأطفال ويعني ذلك تدمير البنية الأساسيَّة للشعب السوري لتصبح سورية مدمرة دمغرافيًا وتنمويًا، أيّ القضاء على هذا البلد العظيم شعبًا وأرضًا، ومع هذا يعمل أعداء سورية على دعم ترشيح بشار الأسد لإعادة انتخابه حتَّى يقضي على البقية الباقية من سورية وأهلها.