لا أحد بين مواطني دولة قطر - كما أظن - ترضيه السياسات والمواقف التي تغرّد بها دولته خارج مصلحتها ومن ثم مصلحة الأشقاء في بقية دول مجلس التعاون، ولا أحد أيضاً كان يظن في يوم من الأيام أن تنكث قطر وعودها ولا تلبي ما يحقق مصلحتها ومصلحة أشقائها مما تم الاتفاق معها عليه. *** وإذا كان المراقبون لم يشكّوا يوماً بأن قطر - وهي الدولة الصغيرة بإمكاناتها - إنما تلعب بالنار من قبل بعض أجهزتها المختصة وهي تمارس هذه الغطرسة غير المحسوبة نتائجها المدمرة لأمن المنطقة، فإن ما يثير الاستغراب أن لا تفي قطر بما التزمت به من اتفاقيات، وأن تأخذ مواقف مغايرة لمواقف بقية دول مجلس التعاون من المستجدات المؤثّرة على استقرار وأمن المنطقة. *** وإذا كانت قطر وهي عزيزة علينا وجزء منا تعتقد أنها بمالها وقناة الجزيرة قادرة على حفظ أمنها بمثل مواقفها الغريبة، فهي بالتأكيد على خطأ، لأن أمنها واستقرارها لا يكون بتسليم قرارها لمن لا يهمه مصلحتها، ولا باحتضان العناصر التي تحمل أجندة معادية لدول المنطقة سواء بالإعلام أو بالمواقف السياسية المهمة، ولا بالابتعاد عن الوفاق مع الأشقاء على سياسة واحدة. *** إن أحداً لا يرضيه أن تقطع ثلاث دول في مجلس التعاون علاقاتها مع الدوحة ذات التاريخ المضيء، لأن قراراً كهذا إنما يمثِّل صدمة وجرحاً في جسد الوطن الخليجي، والمواطن الخليجي، ولكن ما البديل أمام كل الخيارات التي كان - ربما - أسهلها قطع العلاقات لحفظ الدول الثلاث لأمنها واستقرارها أمام التأثيرات والمؤثّرات في المواقف والسياسات القطرية السلبية أمام التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون. *** إن تحالفات قطر مع الإخوان في مصر، ومع حماس في غزة، ومع ملالي إيران، وعدم ثبات موقفها من حزب الله في لبنان، وما يجري في سوريا، وغير ذلك كثير، إنما يثير الشك في مصداقية بعض مواقفها، فكيف لو أوضحت عمَّا خفي من مواقفها الأخرى، ما يعني أن الدول الثلاث المملكة والإمارات والبحرين لم تأخذ بهذا القرار إلا بعد أن فشلت كل محاولاتها لإقناع قطر بما ينبغي أن تكون عليه في مواقفها وسياساتها. *** ولا بد من القول - أخيراً - إن مثل هذا القرار لا يمكن أن يغيّر من مواقف هذه الدول قادةً وحكوماتٍ وشعوباً من الشعب القطري الشقيق وقيادتها، فالعلاقات تاريخية ومتجذِّرة وينبغي أن تستمر، والتعاون يجب أن يتواصل بما لا يضر بمصالح قطر وأشقائها المملكة والإمارات والبحرين وبقية دول المجلس، وكلنا ثقة وأمل بأن تعيد قطر حساباتها، وتراجع مواقفها، وتختار ما يحقق لها أمنها واستقرارها، ويجنبها وأشقاءها المؤامرات التي تُحاك ضدهم.