أعجب وأحتار وأنا أتلفت يميناً ويساراً في الكثير من شوارعنا في المدن والقرى وأرى تلك المسميات الغريبة لبعض هذه الشوارع، وكيف تم نبشها وطريقة اختيارها فإذا ما استثنينا الرموز البارزة في مسيرة تاريخنا الإسلامي والإنساني من النبلاء والمصلحين والفاتحين والمخترعين والأئمة الكبار نجد في المقابل أسماء شبه مجهولة وأسماء ليس لها بصمات تذكر في صفحات التاريخ القديم أو الحديث بينما يغيب عن الحضور وفي مجال التذكير والقدوة رجال لهم مكانتهم وكانت حياتهم حافلة بالعطاء والبذل والفداء، وأقصر حديثي هنا وأخصه بالرموز الذين عاصروا تاريخ بلادنا الحديث وشاركوا في العسرة والميسرة في مسيرة بنائها والمساهمة في النهوض بها، وكان لهم وهج وحضور فاعل في مساندة ومساعدة الموحد الباني - طيب الله ثراه - في مراحل التأسيس والبناء في مسيرة التوحيد الخالدة. أقضي أيام ما يسمى إجازة الربيع أو إجازة نصف العام الدراسي في مسقط رأسي مدينة الرس الوادعة بمنطقة القصيم وهنا يجول بخاطري ومشاعري تاريخ نشأة هذه المدينة بموقعها الحاضر قبل خمسة قرون وما مر عليها من مد وجزر في حياة الآباء والأجداد الذين عمروها ودافعوا عنها، وكان لأكثرهم سطور مضيئة في سجل أمجادها.. وعندما أتذكر هؤلاء الرجال ممن خلدت أسماءهم أعمالهم وأرى الواقع المناقض أو الشاذ في عدم وجود أي أثر يأتي على ذكر أسمائهم على الأقل في تسمية بعض الشوارع أو الميادين والمدارس والأحياء، هنا في هذه الحالة يعتصرني الألم وأشعر بحالة من الغيظ لهذا الجحود والنكران والتجاهل شبه المتعمد لهؤلاء الرجال الأفذاذ الذين تدين لهم هذه المدينة وأجيالها الحاضرة وفي المستقبل بالتقدير والإكبار والوفاء وسيظلون علامات بارزة وحية في تاريخها القديم والحديث. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر بعض الأسماء اللامعة التالية: 1 - مؤسس الرس الشيخ محمد بن علي المحفوظي. 2 - الشيخ قرناس العبدالرحمن العالم الشجاع والفقيه النابه الذي وحد صفوف أهل الرس قبل مائتي عام ودافع عنها دفاع الأبطال بحكمته ودهائه وشجاعته ضد حملة وهجوم إبراهيم باشا على الرس وهو في طريقه لحصار الدرعية قاعدة البلاد السعودية آنذاك. 3 - عساف الحسين: هذا الرجل الذي عاصر وساهم مساهمة فعّالة في مسيرة البناء والتأسيس لهذا الكيان العظيم مما جعل المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز يسند إليه إمارة الجوف ومن ثم إمارة نجران، وكان مثال الرجل الحصيف الواعي في حنكته ودهائه وإخلاصه وانتهى المطاف به وحسب طلبه ليكون أميراً لمحافظة الرسمسقط رأسه ورأس آبائه وأجداده حتى وفاته - رحمه الله - عام 1373ه. 4 - الشيخ العلامة إبراهيم بن محمد الضويان فقيه زمانه وصاحب موسوعة منار السبيل وغيرها من المؤلفات القيمة واشتهر بخطه الجميل ودروسه المنتظمة في مسجد الضويان بالرس. 5 - حمد المنصور المالك.. أحد رجالات الرس البارزين الأوفياء كان طيلة حياته من الحريصين على النهوض بهذه المدينة ويستقبل الوفود والمسؤولين ويعطي في سيرته وتاريخه المثل الحي للمواطن المخلص الذي يجود بالنفس والنفيس وهذا ديدنه طيلة حياته غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.. توفي عام 1412ه. 6 - الشيخ عبدالعزيز الناصر الرشيد أحد العلماء البارزين من أبناء الرس كانت حياته حافلة بالعطاء والبذل في مجال القضاء والتأليف في مناحي الشريعة الغراء عمل في التدريس في كليتي الشريعة واللغة في الرياض كان خلالها عضواً في دار الإفتاء ومن ثم أسندت إليه رئاسة تعليم البنات كأول رئيس لها، ومن ثم رئيس لهيئات التمييز وعضواً في هيئة كبار العلماء وحتى وفاته - رحمه الله - عام 1408ه. 7 - الشهيد ناصر الخالد الرشيد الذي وهب حياته فداء لوطنه أثناء معركة توحيد المملكة بقيادة الملك المؤسس - استشهد البطل مع بعض رفاقه وهم يدافعون عن الرس أمام انتقام وغدر فلول الغزاة المدحورين. 8 - ناصر بن علي الدغيثر أحد الأبطال المغاوير الذي اشتهر بالفروسية ذهب أيام شبابه إلى الشام وشارك هناك في معركة ميسلون الفاصلة واختير للقيادة في مرحلة حاسمة لما عرف عن بسالته ودهائه وعاد بعد ذلك إلى مسقط رأسه - الرس - توفي فيها قبل عشرة أعوام. وهناك رجال أوفياء وعلماء أجلاء وأدباء وشعراء وقادة عسكريون أنجبتهم هذه المحافظة الغالية في الماضي والحاضر ولهم سجل حافل بالمواقف المشرفة يجب أن تتذكرها الأجيال بالوفاء والعرفان نذكر منهم بعض القضاة والأمراء الأفاضل: الشيخ محمد بن عبدالعزيز الرشيد قاضي الرس والشيخ صالح البراهيم الطاسان والأمير عساف الحسين العساف أمير محافظة مرات والوجيه ناصر الحسين مدير شرطة الرياض سابقاً. ومن الأعيان والوجهاء نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الرجال الفضلاء الأكارم محمد العلي العقل وصالح الناصر الرشيد، وصالح المطلق الحناكي وعبدالله السليمان العائد ومحمد الحسين الفريحي وعلي الناصر الخليوي وعبدالرحمن صالح العذل ومحمد العبدالله الغفيلي وغيرهم.. ومن المربين القدامى نذكر محمد بن إبراهيم الخربوش وعبدالله إبراهيم الطاسان وعبدالله الناصر الرشيد وهم الآن في ظلال رحمته الواسعة. جمعنا الله بهم في دار كرامته ومستقر رحمته وجعل من ذريتهم وأحفادهم وأسباطهم داخل الرس وخارجه من يحمل راية الرجولة والكرم والوفاء بعدهم في أعمال جليلة ترفع من شأن هذه المحافظة التي تنتظر الكثير والكثير منهم اقتداءً بما جاورها من مدن وبلدان تنعم بالازدهار والتقدم والسباق الحضاري. وفي الختام آمل مخلصاً أن تنال هذه السطور ما تستحقه من عناية واهتمام ومتابعة من قِبل محافظ الرس ورئيس بلديتها الجديد وأعضاء المجلس المحلي وأعضاء المجلس البلدي، ومن حملة الأقلام ممن لهم حضور صحفي متميز ومساهمات فعّالة أمثال الإخوة الزملاء محمد الحزاب الغفيلي ومحمد النويصر ورشيد العبدالرحمن وقبلان الصالح ومنصور الصائغ في كل ما يعود على هذه المحافظة بالخير والنماء، والله من وراء القصد.