عندما تكون خارج حدود الوطن لأي ظرف وفي أي زمان حتى لو لساعات، ينتابك بعض من الشعور الوطني الغامر والجارف، شعور تملأه المخاوف وأنت ترى أوطان الجوار تتداعى مثل قصور الرمل على الشواطئ، يجرفها زبد البحر على مرأى من بناتها، أوطان الربيع العربي: يمن الجوار حيث لا تفصلنا سوى الجبال والرمال، وسوريا حيث تلتقي باديتنا ببادية الشام، ومصر حيث جوار البحر وخلجان الأحمر، والسودان الذي انفطر وأصبح دولة الشمال ودولة الجنوب وهو جدارنا الغربي، وتونس وليبيا بوابة الشمال الأفريقي لصحراء كبرى هي معبرنا. أقول إنّ مشاعر الخوف ترحل بك إلى خيالات لا حدود لها، وأسئلة تتراقص: أما آن لهذا الربيع أن يترجّل؟ وهل ستصمد دول الربيع وتستعيد عافيتها؟ أما أن الربيع سيكون عاصفاً ويدمر دوله ويفككها إلى دول شمالية وجنوبية، وأخرى شرقية وغربية، وأيضاً مدى صمود الدول الأخرى؟. بعد أن خرج الاستعمار الأوربي من بلادنا العربية، اعتقد الوطنيون أنّ البلاد العربية تحرّرت من هيمنة الحكم الأجنبي ولم يعلموا أنهم مكبون على وجوههم في ظل حكومات العسكر، حتى جاء الربيع العربي المنقوص ليصادر منهم الأمن والحريات ويعرضهم لخطر التقسيم والأطالس. استطاعت دول الخليج بعون الله أن تفلت من عواصف الربيع التي هبّت على المنطقة في وهجها الأول، لكن لابد من معالجات الدخل بدءاً من ملف البطالة وحتى معالجة الاقتصاد المحلي للأسرة والدخولات، فالأبراج والعمائر الزجاجية والمجمعات الرخامية والعقارات الضخمة لا تعني الاستقرار والأمن الدائم، فأحد المحاور التي قام عليها الربيع العربي الجوع والفقر والتمايز الطبقي بين أبناء الشعب الواحد، وفساد الاقتصاد والهدر المالي، وعدم محاسبة المتنفذين الفاسدين، الربيع العربي ليس حراكاً سياسياً بل إنه حراك شعبي اجتماعي اختطفه الساسة، لذا فإنّ دول الخليج أمامها برامج عدة لتفادي ربيع بمواصفات الربيع العربي الذي انتقل إلى أوروبا حتى الآن عبر اليونان وأكرانيا، رغم مساندة الاتحاد الأوربي لليونان ودعم روسيا لأوكرانيا حتى لا يجتاحهما الربيع الأوربي ويشعل الحرائق في محيط دوله. الإسكان محور متحرك ونشط تتحرك عليه الأسر ويشكل حجر زاوية الاستقرار، تجاهلته دول الخليج لسنوات حتى تضخّم وتورّم وأصبح علاجه صعباً، إذا لم تتدخل الدول وبقوة سيكون ملفاً ثقيلاً في أجندات الربيع العربي في موجاته المتكررة.