إذا أردت أن تقضي على ثورة شعب فحاربها بثوارها أنفسهم، واعمل على شق صفهم بواسطة المتحمسين منهم سطحيي التفكير، فهم أسهل من يمكن اقتيادهم بشعارات دينية ووطنية لتحقيق الأهداف، كما أن توجيههم لن يحتاج لأكثر من خطاب يدغدغ ما يتمنون حدوثه، حينها ستتملكهم وبإمكانك توجيههم ليكونوا الأداة التي تقضي على صاحبها بدلاً من العدو! هذا هو حال من أشغلت الدنيا بأخبارها في الفترة الماضية، وما زالت تلقي بظلالها على الأحداث في سورياوالعراق. هي كما يسمونها الدولة الإسلامية في العراق والشام، واختصاراً وجدوا لها اسماً لا يحمل أي دلالة وهو «داعش». يسجل لها أنها في الثورة السورية من تسببت في منع الثوار من تحرير حلب، كم أنهم من ابتدع قطع الرقاب لمخالفيهم واللعب بها أو تعليقها ونشروا مقاطع ذلك بهدف الإساءة للثورة السورية العظيمة، وتنفير الناس والحكومات من كل ما هو إسلامي. هم من كبروا أثناء تنفيذ إعداماتهم الميدانية، وهم من أعدموا فتى في الخامسة عشرة من عمره وهم من اختطفوا عشرين صحافياً أجنبياً، وهم من احتجزوا بحسب «المرصد السوري لحقوق الانسان» الأب اليسوعي باول دالوليو؛ في استغلالٍ بغيض للدين وإساءةٍ له حتى باتت كلمة «تكبير» الأكثر ترديداً على سبيل الاستهزاء والضحك بكل ما هو إسلامي. في العراق الآن وفي انتفاضة العشائر، داعش هي من تسببت في إيقاف تقدم ثوار العشائر نحو بغداد، وهي الذريعة التي تحجج بها المالكي وأرسل جيشه لفض اعتصام الرمادي والقضاء على من سماهم القاعدة المتواجدون في الاعتصام. للعلم فالقاعدة نفسها على اختلافنا معها فكراً وأيديولوجيا ورفضنا لممارساتها تبرأت من داعش ونفت أن يكون لها صلةٌ بها!.إذن من أين جاء هذا التنظيم وما هي أهدافه، وما صلته بدول إقليمية وما دوره في الثورتين: السورية والعراقية؟ ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام حديثة العهد بالتواجد المسلح إن قارناها بالجماعات الإسلامية الأخرى. شعارهم الذي استقطبوا به الشباب المتحمس المُغرر به هو الدعوة للخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وهو ما دأبوا العمل خلافه، وكانوا ذريعة لكل متجبر كبشار والمالكي لتخويف الغرب والعالم وتسويق أنفسهم بالطرف المعتدل البعيد عن التطرف. انبثق تنظيم «داعش» عن «دولة العراق الاسلامية» التي يتزعمها أبو بكر البغدادي، الذي ساهمت عناصره في تأسيس جبهة النصرة بسوريا، والتي رفضت في نيسان 2013 اتحادها مع دولة العراق لإنشاء الدولة الإسلامية في العراق والشام. يشير البعض بالاتهام للعراق وإيران وسوريا بوقوفها خلف تنظيم داعش، وفيما يقولون منطق يستحق الوقوف عنده، والسبب لتمتعه بتجهيزات عسكرية ودعم مادي ساعده في تحقيق انتصارات على الأرض بشكل ملاحظ مع أنه لا يُعرف له انتماء سياسي واضح أو دعم يتلقاه من أي دولة، وهو ما يعجز الأفراد عن تقديمه لهم. كما أن تصرفاته على الأرض وتشويشه على المقاومة السورية بما فيها الجيش الحر وقتاله ضدهم هو أكبر دليل على أن هدف قيادات التنظيم من القتال هو تفكيك إجماع المعارضة وتفتيت صفوفهم وخلق ذرائع للأنظمة المحاربة للبقاء في السلطة، والتذرع بالإرهاب لارتكاب مجازرهم. حض تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» أتباعه على مهاجمة الفصائل المعارضة الأخرى المنافسة له التي لا تدعم أو تتفق مع توجهاته، وصدر عن الناطق باسمه أبو محمد العدناني إعلاناً للحرب على الائتلاف الوطني السوري المعارض، كما قال إن الدولة الإسلامية في العراق والشام تعتبر أن فصائل المعارضة السورية ومنهم الائتلاف والمجلس الوطني والمجلس العسكري ورئيس أركانه هم جميعها أهدافٌ مشروعة. للأمانة، فإن العديد من أتباع داعش هم من الشباب الصغير السن والمتحمس لما رآه جهاداً في سوريا وأملاً في دولةٍ إسلاميةٍ صوروها لهم وسوقوها عبر التلاعب بعواطفهم. هم من يجب استقطابهم واستمالتهم لترك هذا التنظيم والنأي بأنفسهم عنه والتبرؤ من أفعاله. في حين لا أعفى قيادات داعش من المسؤولية تجاه الأخطاء التي لا تُغفر وارتكبت في حق سوريا وثورتها ومظلومي الأنبار والفلوجة والرمادي بشكلٍ خاص وتشويههم لصورة الإسلام والمسلمين بشكلٍ عام.