تتعدد الظواهر النقدية وتختلف في تأثيرها وكينونتها فمنها قائد للإبداع ومنها تابع له، ومنها مايكون موازياً للعملية الإبداعية,إلا إن المهمة الأساسية والرئيسية للنقد والناقد قيادة الإبداع... وفتح مجالات ورؤى أمام الفنانين للتجديد.. ولكن للأسف النقد التشكيلي المحلي والناقد إن وجد لم يقم بهذه المهمة الاستشرافية، واكتفى بمهمة المتابعة والتقييم، وترك ثورات التجديد للفنانين باجتهاد غير مدروس تارة وفردية وشبه مقننة تارة أخرى، واكتفى النقاد بالإشكاليات حول قبول أو رفض كل ماهو جديد من الأعمال والتجارب التشكيلية المحلية، أو شخصنة الحكم على العمل بناء على العلاقة بمُنتجه. وفي معرض الحديث عن الظواهر النقدية التي أثرت في الحراك التشكيلي على المستوى العالمي تأتي ظاهرة تراسل الفنون وهي ظاهرة غير خاصة بالفنون البصرية أو القولية والأجناس الأدبية فقط، وإنما هي ظاهرة بين الفنون جميعها من أرجاء العالم على مختلف ثقافاته، وهي من الظواهر النقدية الممتدة من نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين وإن كانت تعود لعصور مضت كممارسة ولكنها بشكلها التنظيري المنظم يعود لنهايات القرن العشرين، والتراسل بين الفنون في نظرته الأولية هو تبادل المؤثرات بين أجناس الفنون والآداب، فيأخذ بعضها من الآخر ويعطيه, وهذا المستوى الأول من مفهوم التراسل وهي علاقة تبادلية, أما المستوى الثاني منه فهو التشابه وفيه يُرى التراسل على أنه نوع من التشابه بين الفنون (مثل التشابه في أسس وبناء المدارس الفنية من كلاسيكية وتكعيبية وسريالية... وغيرها.. مع مثيلاتها في الفنون اللفظية) والتراسل أيضاً. حالة من الإبداع المشترك مابين الفنون البصرية والفنون اللفظية والقولية الأخرى لايتقنها إلامتمرس على قراءة وفهم الشعر والأدب والرواية والموسيقى وأتقن التعامل مع الحرف وعمقه والكلمة ودلالتها والجمل وصياغتها والإيقاع ونغمته وتذوق جمالية الفنون عرف ترجمتها إلى لوحات تعطي دلالات ومعاني. إلاأن الاعتراف بالتراسل يعني الإيمان بالحدود القائمة بين هذه الأنواع وهذه الأجناس ومع ذلك فإنه يتجاوز تلك الحدود بين الإبداع اللفظي والبصري في تأثير متبادل بينها. والأسبقية لتراسل الفنون كانت لفن الكولاج أو الملصقة والتي ظهرت في الفنون البصرية واستفاد من فكرة الملصق أو الكولاج الكثير من الشعراء والأدباء في تضمين فكرة الملصقات النصية التي تبناها التكعيبيون بداية من بيكاسو. كما كان الفنان كاندنسكي أكثر الفنانين اعتناءً وتحقيقاً للعلاقة بين الفنون وتمازجها وتراسلها بجميع مستوياته التشابهي أو التبادلي حتى إن كثيرا من الحواجز بين أجناس الآداب والفنون سقطت وتداخلت عند كاندنسكي. وعلى المستوى المحلي تجلى التراسل بين الفنون القولية والبصرية في أوضح صورة في مسابقة لوحة وقصيدة بسوق عكاظ وإن كان المخرج لم يظهر على قدر الطموح، وكما ظهر في منجزعدد من الفنانين المحليين أصحاب المحمول الثقافي العالي.