عندما عُين الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله، وزيراً للصحة، كانت الوزارة تُعاني من ترهل إداري، وقصور خدمي، وهدر مالي غير مسبوق.. أُشفِقَ على الوزير الطموح من وزارته الهَرِمة، ولم يَشفِق هو على نفسه، جاهد من أجل إصلاحها ونجح بشهادة متلقي الخدمة من المواطنين.. عمل القصيبي وفق الإمكانات المتاحة، ولم يتحجج بقلة المخصصات المالية، وضعف المباني، وصعوبة المواجهة، بل استثمر كل دقيقة لتحويل المستشفيات القديمة إلى واجهة حضارية لتقديم الخدمات الراقية.. كانت تجربة إدارية ثرية، شهد بنجاحها المواطنون الذين كانوا أكثر المتأسفين على رحيله من «الصحة»، والمتألمين لوفاته، رحمه الله. وزارة التجارة والصناعة كانت من الوزارات غير المرضي عنها من المواطنين، تعاقب الوزراء لم يسعفها في توطيد علاقتها معهم، وكسب ثقتهم.. أطلق عليها المواطنون اسم «وزارة التجار» بسبب غضبهم من تقصيرها في حماية مصالحهم وإنصافهم من المخالفين.. بعد تعيين الدكتور توفيق الربيعة بدأت ثقة المستهلكين في الوزارة بالارتفاع التدريجي، وأصبحت تتلقى الإشادة بعد الإشادة من المؤمنين بتحسن خدماتها، وفي مقدمهم، أكثر الناس انتقاداً للعمل الحكومي.. وكالة الوزارة لشؤون حماية المستهلك كانت مركزاً للتغيير السريع، انعكس ذلك على أدائها. روح الشباب، وكفاءة العمل أعادا لها بعض هيبتها المفقودة، ما أسهم في تحسين علاقة الوزارة بالمستهلكين.. عمل الدكتور الربيعة في سنتين ما لم يستطع الآخرون عمله في عقود.. تسلم «الربيعة» ملفات ثقيلة عملَ على معالجتها باحترافية.. ملف المساهمات العقارية كان الأثقل ولا شك، إضافة إلى ملفات حماية المستهلك، نظام المنافسة، الإستراتيجية الصناعية الوطنية، دعم الصادرات، الخدمات الإلكترونية، وإعادة هيكلة الوزارة ووكالاتها والهيئات المرتبطة بها ليتوافق عملها مع متطلبات العصر واحتياجات السوق والمواطنين.. الانتصار للمواطنين في مواجهة المخالفين من التجار، وحفظ حقوقهم، وتحقيق العدالة بين طرفي العلاقة التجارية، وإحياء قوانين الحماية المهملة، وإظهارها وإلزام القطاع التجاري بتنفيذها، وتثقيف المستهلكين بها، والخدمات الإلكترونية الشاملة في التراخيص، والبدء في تنقية السوق من السلع والمنتجات الرديئة، من الخطوات الإصلاحية المهمة في الوزارة.. انعكس عمل الوزير على وزارته، وبالتالي على المواطنين الذين أشادوا بالتغير المحسوس. لم يدفع الوزير ملايين الريالات لشركات العلاقات العامة من أجل تحسين صورة الوزارة لدى الرأي العام، بل استثمر في أصول الوزارة وساعد على رفع كفاءتها وتحسين خدماتها، فحازَ على رضا المواطنين، وولي الأمر، وأرجو أن يكون ممن نال رضا الله على عمله، فالناس «شهود الله في أرضه».. مؤخرا ًبدأ الدكتور الربيعة في طمأنة التجار بأنه لا يعمل ضدهم، بل معهم لتحقيق «عدالة التجارة» التي تبني جسور الثقة بين التجار والمستهلكين لتحقيق المنفعة المشتركة.. فلسفة جديدة على مجتمعنا وتجارنا، وثقافة إسلامية متأصلة، ربما تعيد فلسفة الصحابي الجليل «عبد الرحمن بن عوف» في تجارته. لم تتغير وزارة التجارة والصناعة، ولم تحصل على دعم إضافي أو قرارات استثنائية، بل تغير الوزير نفسه، فجاء بفكره الإداري، ورؤيته الطموحة، وفريق عمل قادر على تنفيذ رؤيته وتحقيق الأهداف.. نشرها في أرجاء الوزارة، فتغيرت مخرجاتها، وحققت بعض أهدافها. العمل المتميز الذي يقوم به الدكتور توفيق الربيعة غيَّر من رؤية المواطنين تجاه وزارته، وما كان لهم ذلك لولا شعورهم بتغير الخدمات المقدمة لهم.. يُخشى على الوزير من «لوبي النجاح»، و «لوبي المتضررين»، و «العقبات الحكومية»، وندعو الله أن يعينه على تجاوزها، بتوفيق منه، لاستكمال ما بدأه من تغيير وتطوير في أداء الوزارة وحماية المستهلك، فالطريق ما زال طويلاً، والمواطنون ينتظرون منه المزيد، وبخاصة في نظام الوكالات، والاحتكار وكفاءة السوق وعدالتها، والقطاع الصناعي، وتطوير أداء وأنظمة الغرف التجارية وإنهاء هيمنة الغرف الرئيسة على المحافظات الصناعية المهمة، وسلبها حقها في التمثيل المستقل لغرفها التجارية، تحت أعذار واهية، لا تعدو أن تكون غطاء لحب التملك والسيطرة وتكريس المركزية القاتلة للإبداع، ودعم القطاع الصناعي، والمُضَيِّعة للحقوق، والمدمرة للمنشآت الصغيرة، والمرسخة لفلسفة الإقصاء والفصل، من أجل تحقيق المصالح الخاصة الضيقة على حساب المصلحة العامة. بشكل عام، يُعتبر نجاح الوزير جزءاً رئيساً من نجاح الوزارة وبالتالي الحكومة، فكسب رضا المواطنين من أهم أهداف الحكومات، وكسب الرضا لا يأتي إلا من خلال استكمال الخدمات، وتحقيق رفاهية المواطنين، وترجمة الميزانيات إلى مشروعات على أرض الواقع، وهي من صميم عمل الوزراء. تجربة الدكتورة الربيعة في وزارة التجارة، بالرغم من حداثتها، يمكن استنساخها في بعض الوزارات الأخرى بسهولة، لإحداث نقلة نوعية تحقق رضا المواطنين وأمنياتهم، وتطلعات ولي الأمر.