يجدر بي هنا أن أهنئ الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية، لأنه أعطى مثالاً صادقاً وجريئاً في وفائه وثقته في الرجال الأوفياء المخلصين لوالده الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله، الذين رافقوا مسيرته ورحلته المظفرة في وزارة الداخلية، كانوا فيها يحظون بثقته المتناهية حتى قبل أن يصل الأمير محمد نفسه إلى الوزارة، وعندما جاء الأمير محمد، تعامل معهم أو هم تعاملوا معه، فعرفهم وخبرهم، وهو الذي يعرف مسبقاً مدى قربهم وإخلاصهم ومسؤولياتهم وثقة والده فيهم. من هؤلاء الرجال الأوفياء الفريق أول (متقاعد) عبدالرحمن بن علي الربيعان، الذي اتخذ الأمير محمد قراراً شجاعاً بعد موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، متعه الله بالصحة والعافية، بتعيينه نائباً لوزير الداخلية، وهي سابقة في تعيين مواطن سعودي في منصب رفيع المستوى في وزارة سيادية مهمة وحساسة كوزارة الداخلية منذ تأسيسها، والفريق الربيعان يعد من أهل البيت، أقصد من رجال وكفاءات وزارة الداخلية، الذين خدموا لسنوات طويلة قريباً من الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، سكرتيراً خاصاً، ووكيلاً للشؤون الأمنية، ثم مستشاراً خاصاً لولي العهد الأمير نايف، الذي كان يكلفه بمهام وقضايا في غاية السرية والخصوصية، وكان الرجل ينجزها بحرص وتفانٍ، وللأمانة كان الربيعان مخلصاً للأمير نايف وللمسؤوليات التي كان يكلفه بها، وكان يؤديها على أفضل الوجوه وأتمها، مما جعله يحظى بثقة وتقدير الأمير نايف، وجاء الآن الأمير محمد ليجدد الثقة فيه وهو يستحقها عن جدارة، فالمقربون من الفريق الربيعان، يعرفون أنه من أؤلئك العاملين بصمت بعيداً عن الأضواء والضجيج الإعلامي، ويبدو أن حياته العسكرية الصارمة علمته إنجاز واجباته العملية في غياب (الفلاشات) والظهور أمام الكاميرات وصفحات الجرائد، وأجده مرتاحاً وسعيداً وهو يؤدي أعماله ومهامه وفق هذا النهج والأسلوب الذي يروق له، وهو بالمناسبة نفس نهج وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف المشهود له بالعمل بصمت، مع عزوف عن الظهور والانتشار الإعلامي منذ وصوله إلى وزارة الداخلية..!! أنا أعرف أن كلامي هذا لن يروق ويعجب الأمير ونائبه للأسباب أعلاه، واستسمحهما الإذن فهذه بضاعتنا نحن الصحافيين..!! أعود إلى الحديث عن النائب الفريق الربيعان، الذي تبدو على محياه ملامح عسكرية صارمة، لكن كلما اقتربت منه أكثر، اكتشفت جوانب إنسانية نبيلة في شخصيته الهادئة المتواضعة مع طيبة ودماثة خلق وحُسن معشر.. ولي مع الفريق الربيعان مواقف إبان حياة الأمير نايف بن عبد العزيز، عليه رحمة الله، أتذكر منها أنني تلقيت منه اتصالاً هاتفياً ذات مرة، وكنت وقتها مسؤولاً عن تحرير صحيفة (الشرق الأوسط) في الرياض، يبلغني فيه رغبة الأمير نايف، في حضوري ومشاركتي لمؤتمر صحافي مهم سيعقده في جدة، وعندما أوضحت له بأنني لضيق الوقت قد لا يتوفر لي مقعد على رحلة جدة، وإذ بصوته يأتيني حازماً: « إذهب إلى المطار وإن واجهت مشكلة كلمني من أي (كونتر) لموظفي الخطوط السعودية»..!! وفي موقف آخر، أتذكر أنني أجريت حديثاً صحافياً مهماً بالهاتف مع الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله في جدة، وكان الأمير نايف - كعادته معي - ودوداً وكريماً للغاية، وامتد الحديث بيننا لما يقرب من نصف ساعة أو أكثر، وأجاب فيه على كل أسئلتي حول قضايا الإرهاب وأمن الخليج ومشكلة الحدود (وقتها) مع اليمن والعلاقة مع إيران، وجوانب أخرى، وتحدث الأمير (الراحل) بكل صراحة وشفافية، وفرحت كثيراً بغنيمتي، ويكفيني أن المتحدث لي (نايف بن عبدالعزيز) لكنها فرحة لم تتم، فبعد ساعات معدودة، اتصل بي هاتفياً الفريق عبدالرحمن الربيعان يبلغني تحيات الأمير نايف، ورغبته في الإستماع لشريط الحديث الهاتفي قبل النشر، وطلب الإتفاق على موعد معي في الرياض لتسليم واستلام الشريط، وتوجست خيفة، أن الأمير نايف استشعر بفطنته وذكائه - عليه رحمة الله - أنه تطرق في حديثه لقضايا أمنية وسياسية في غاية الأهمية، وأدرك بحكمته ودرايته كرجل دولة أنه لابد له من مراجعة إجاباته وهو حق مشروع له، وتوقعت أن يشطب الكثير لحساسية بعض القضايا، وتمنيت من الفريق الربيعان أن يبلغ الأمير رجائي أن يخفف من التشطيبات، هدأ من مخاوفي، لكن كان للأمير نايف رأي آخر، ورضيت بما وصلني، فمن هو ذلك الصحافي في عالمنا العربي الذي لايرضى بما يأمر به وزير الداخلية، وأتذكر مقولة الفريق الربيعان لي «أحمد ربك على اللي جاك « وحمدت الله بالفعل..!! وكنت قد أرسلت من شيكاغو رسالة تهنئة عبر الجوال للفريق عبد الرحمن الربيعان، وأنا أجدد هنا له التهنئة، وأبارك له الثقة الغالية من خادم الحرمين الشريفين وسمو وزير الداخلية لتولي هذا المنصب الرفيع وهي ثقة يستأهلها عن جدارة واستحقاق، أنه من الرجال الأوفياء والمخلصين للوطن وولاة الأمر، وأدعو الله أن يأخذ بيده ويعينه في هذه المسؤولية الكبيرة. (شيكاغو)