منذ أيام قلائل فقدنا أخاً عزيزاً ومحباً وافاه الأجل المحتوم الذي لا مفر منه.. إنه الأستاذ العزيز الذي يدعو له الكل في حياته وبعد مماته: أحمد بن سعد الحصان- رحمه الله وعفا عنه-، فقد كان وفياً بمعنى الكلمة، يذكره الصغير والكبير بالخير.. علماً أنني عرفته منذ أكثر من خمس عشرة سنة، فلقد لمست فيه جميع الخصال الخيرة والمناقب الحميدة التي لا تعد ولا تحصى، وهي مفخرة بلا شك جمعت خيري الدنيا والآخرة، ثم الخلق الذي وهبه له مولاه الذي أكسبه ثناء عباده عليه وجميل التواضع وخدمة الناس بنفسه كما قال المولى سبحانه: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، وقوله- صلى الله عليه وسلم- (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ولا شك إن أحسن العمل في ممر الدنيا سيكسب الجزاء الوافي في دار المقر، والمؤمن في هذه الدنيا مبتلى وأعظم بلية هي فقد مثل أولئك.. ولكن هذا قدر الله ومشيئته، وهكذا أفل هذا النجم الذي طالما عرفناه وسجاياه فهو بحق محب للخير وتلكم من خصال النبل والكرامة، ثم وقوفه مع المحتاج حتى يقضي حاجته.. والحمد لله الذي يعطي وله ما أعطى ويأخذ وله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار، ونسلم لقضاء الله وقدره والموت لا بد منه وهو طريق مسلوك عاجلاً أو آجلاًَ.. المهم الخاتمة الحميدة والذكر الطيب الذي يبقى ولا يدوم في هذه الدنيا إلا فعل الخير. وأبو سعد- رحمه الله- عرف عنه مآثر عديدة يعرفها كل من تعامل معه وهي أعمال جليلة له من عباده الشكر والدعاء، ومن المولى عظيم الجزاء، إن تلكم الجموع الغفيرة التي شهدت جنازته هم خير شهود على أعماله وما قدم وهذا مصداق لقوله- صلى الله عليه وسلم- حين مر بجنازة وأثنى عليها بخير (إن بعضكم على بعض شهداء). وأبو سعد- رحمه الله- عرف بالجلد والصبر على ما أوكل إليه من عمل لأنه يدرك بتوفيق الله له وبثاقب نظره أن الله سوف يجازيه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من جاء بقلب سليم، وأبو سعد- رحمه الله- عرفت فيه إكرامه واحترامه لجليسه وصديقه، ولعل مصداق ذلك ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما حينما سئل عن أكرم الناس عليك فقال: جليسي حتى يفارقني، وأبو سعد- رحمه الله- ذلكم الصديق الوفي ما تراه جالساً في مكتبه بل يسعده أن يقوم بقضاء حوائج الناس بنفسه من عرف ومن لم يعرف بنفس المؤمن التقي الذي يرجو ما عند الله، وهذا يذكرني بقول ابن عباس رضي الله عنهما حينما قال: ثلاثة لأقدر على مكافأتهم ورابع لا يكافئه إلا ا لله تعالى أما الثلاثة: فرجل وسع لي في مجلسه ورجل سقاني على ظمأ ورجل اغبرت قدماه في الاختلاف إلى بابي، وأما الرابع فرجل عرضت له حاجة فظل ساهراً من يقضيها فأصبح متوجدني موضعاً لحاجته. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتغمده بواسع رحمته ورضوانه ويدخله فسيح جناته ويجازيه بالإحسان إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا وأن يغسله بالماء والثلج والبرد ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، ونسأله أن يصلح ذريته ويجعلهم خير خلف لخير سلف ويؤلف بين إخوانه ويجعلهم يداً واحدة إنه نعم المولى ونعم النصير القائل {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. جمعنا الله وإياه في مستقر رحمته، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.