قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن يُشاد الدين أحد إلا غلبه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.. أي غلبه الدين... قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} (سورة النساء 131). هذي دعوة الأنبياء، وشعار الأولياء، فكل نبي يقول لقومه: {أَلاَ تَتَّقُونَ}الشعراء: 106]. وأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة الحديد 28)... {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (سورة مريم 63). {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء 1). أما التقوى: لغة فهي مأخوذة من الوقاية وما يحمي به الإنسان رأسه. اصطلاحا: أن تجعل بينك وبين ما حرّم الله حاجبا وحاجزا. عرّف علي بن أبي طالب التقوى فقال: هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل. وسأل عمر كعبا فقال له: ما التقوى؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقا فيه شوك؟ قال: نعم. قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر : أشمر عن ساقي، وانظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدما وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة. فقال كعب: تلك هي التقوى.... إذ يجب أن تكون التقوى عند المسلم في سائر أركان دينة ومتمثلة في كل عباداته. لأنها أصل أصيل لا يقوم دين المرء إلا بتقوى الله تعالى في السر والعلن. التقوى في قلبه ومظهره الإسلامي وشخصيته الإسلامية وأخلاقه الإسلامية النبيلة بإذن الله عز وجل... ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها. وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا! فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً) رواه البخاري. يبين لنا هذا الحديث العظيم بأن على كل مسلم أن يراعي حدود الله ولا ينتهك شيئاً منها بل وعليه أن يُنكرلى من يتعدى هذه الحدود التي حدها لنا الشرع المطهر ، فنأمر بالمعروف وننهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والتي هي من صفات المؤمن الصالح التقي النقي، لذلك شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم القائم في حدود الله تعالى وهو المنكر لها بالقائم على دفعها وإزالتها والمراد بالحدود هنا ما نهى الله عنه، وشبه الواقع فيها أي مرتكبها كمثل قوم استهموا على سفينة وهي سفينة المجتمع فاقترعوا في هذه السفينة حيث أصبح لكل شخص منهم نصيب وجزء منها فأصبحوا شركاء فيها. فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها. فمنهم من يعمل على خرق سفينة المجتمع هذه ، ومنهم من ينكرعليهم ويأخذ على أيديهم حتى ينجون وينجو المجتمع بأكمله. بفضل الله ثم بفضل أهل الغيرة على الدين أصحاب الهمة العالية والذين يُصلحون ما يُفسده الناس يصلح المجتمع الأفراد والجماعات وذوي الاتجاهات والأفكار المختلفة وإن كل منكر يرتكبه الإنسان في مجتمعه إنما هو خرق خطير في سلامة وصلاح هذا المجتمع. ونلاحظ أنه قد يتصرف بعض الناس بما يضر بالآخرين بدافع الاجتهاد لكنه خاطئ ونيته حسنة إن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يضرب لنا الأمثال الواقعية الحية المحسوسة حتى نعي دورنا الفعلي في مجتمعنا المسلم، ويعلمنا هذا الحديث الشريف أن الأخذ على يد الواقع في حدود الله و الإنكار عليه إنما هو سبب بإذن الله في نجاة الجميع صاحب المنكر ومن أنكر عليه ونهاه عن ذلك الذنب وتلك المعصية، فعلى الاخ أن يكون لديه يقظة تجاه نفسه أولاً وتجاه أخيه فيحب لأخيه ما يحب لنفسه فيرده عن الخطأ إن أخطأ، وقد قال الله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (سورة فصلت 33 - 34)، وقال تعالى أيضاً {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (سورة النحل 125). إن هذا هو الترابط الأخوي بين المسلمين، وأصل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة والنصيحة الحكيمة التي يجب أن تصدر من هذا المنبع الصافي ألا وهو الكتاب الكريم والسنة الشريفة وفق الله الجميع لما يُحبه ويرضاه ، وجعلنا من المتقين له حق تقاته اللهم آمين...