فقدت البلاد بالأمس القريب نجماً ساطعاً ورجلاً من الرجال ورائداً من رواد التربية الأجلاء، وعلماً من أعلام الفكر النير، ومنهلاً من مناهل العطاء الوطني الصادق الذي ينطق بأصالة الوفاء وجزيل العطاء وعمق الانتماء، بل كنزاً ثميناً من كنوز التربية والثقافة والعلوم قدم لهذا الوطن المعطاء عصارة فكره وخلاصة تجربته وسعة أفقه في تطوير مسيرة التربية والتعليم بجهد صادق وفكر ثابت وعمل دؤوب، وتخطيط واع وبصيرة نافذة ليجعل من هذا الوطن منارة للفكر وموئلاً للثقافة وملتقى للمفكرين والعلماء والأدباء على امتداد الوطن العربي فاستحق من كل محبيه، وبكل جدارة كل التقدير والتكريم والوفاء والعرفان. لمس فيه كل من عرفه والتقى به عفة اللسان وسلامة الوجدان وصفاء السريرة وكياسة القلب وأصالة الانتماء. لقد قدم الراحل العظيم للمسيرة التربوية ما يستحق الثناء والعرفان ويستعصي على الجحود والنكران. خاطب الجميع من مسؤولين ومشرفين ومعلمين بأبوة حانية ورؤية واعية وشفافية ناطفة ونصائحه القيمة بكل معلم مادة دراسية في مطلع كل كتاب فكان نعم الأب والأخ والصديق، بل القدوة الحسنة والمثل الأعلى لكل العاملين في حقل التربية والتعليم على اختلاف مستوياتهم ومراتبهم. احتضن الرائد التربوي العظيم العملية التربوية بكل رعاية واهتمام ليبني جيلاً صالحاً يستشعر أمانة المسؤولية، ويؤمن بسمو الرسالة جيلاً ملء يومه ملء غده، لا يعرف التطري والميوعة يفيض بالحيوية والوفاء والبذل والعطاء وصدق الانتماء يترفع عن السفاسف والدنايا، ويتميز بعلو الهمة وصلابة الإرادة ونبل المسعى والمبتغى، يحيط نفسه بسياج من الخلق الرفيع والنهج الإسلامي القويم انطلاقاً من إيمانه الصادق ويقينه الراسخ بأن الشباب الصالح هو الأمل الشرود والنفس الطموح، هو الأمل والرجاء والجنة والرداء ذلك أن همة الشباب تحيي ميت الرجاء. إن قلوب محبيك وعارفي فضلك يا أبا أحمد لتلهج بالثناء والدعاء، وفي كل صلاة أن يتغمد الرحمن العلي القدير روحك الطاهرة بواسع رحمته وفسيح جناته مع الصالحين والصديقين؛ لما قدمته لهذا الوطن الغالي من خدمات جليلة تعلي بها البنيان، وتبني على أسسها الإنسان، يسير بخطى سديدة ورؤى واعية رشيدة نحو غد واعد.. نم أبا أحمد قرير العين مطمئن النفس مرتاح الضمير فذكراك العطرة وأفكارك النيرة وكلماتك الوضاءة محفورة في كل قلب، منقوشة على كل صدر، مرسومة على كل جبين وستبقى شمس إيمانك الصادق ساطعة في كل نفس، منيرة في كل قلب، تنير كل قلب وتذلل كل صعب لنتخذ منها معراجاً لحياة وارفة الظلال، يانعة الثمار سامقة الأغصان والهامات. إن الخطب جلل والمصاب أليم، ونفوس محبيك يعتصرها الألم والحسرة ولوعة الفراق لا يخفف من غلواء ذلك إلا ما يعمر قلوبنا من إيمان عميق، وثقة في أن يتقبلك الله مع الأتقياء الصالحين والمؤمنين الصادقين، وحسن أولئك رفيقا، إنه القادر على ذلك.... وإنا لله وإنا إليه راجعون.