بحكم انتسابي لأسرة التعليم فقد كنت كغيري من التربويين؛ متابعا لحراك معالي الدكتور محمد بن أحمد الرشيد رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، الذي رحل عنّا يوم السبت 20-1-1435ه أبّان توليه وزارة التربية والتعليم، ومن منّا لا يحفظ ذلك الشعار الذي رفعه «وراء كل أمة عظيمة، تربية عظيمة» أو لا يعرف من قائله؟ وأتذكر أننا كثيرا ما كنّا نحلل ونتحاور حول إدارته، الوزارة الضخمة بأعداد طلابها ومنسوبيها، فقد تولى الوزارة في عام 1416ه وتركها في عام 1425ه وكعادتنا في حواراتنا، كنّا نجد من يسر لما قام به من جهود كبيرة في عمله، ويؤيد خطواته،كإدخاله مادة التربية الوطنية،بطاقة المعلم، إنشاء مراكز المصادر بالمدارس، دمج الرئاسة لتعليم البنات مع وزارته إداريا،البدء في إدخال تحديثات تطويرية على المناهج الدراسية، ومنها المناهج الدينية وقد استأنس برأي علماء كبار في تحديثها بالأخص، ولقي دعمهم، كان منهم الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وتغيير مسمى الوزارة بدل من المعارف إلى التربية والتعليم، توظيف التقنية في المراسلات، حركة نقل المعلمين إذ كانت الأكبر في عهده،إنشاء قسم إشرافي للصفوف الأولية، التوسع في المباني المدرسية الحكومية، ونجد من كان يناهض بعض جهوده، وأفكاره وخطواته واجتهاداته، سواء اختلفنا حولها، أو اتفقنا، والمتأمل في حياة الراحل، سيجد أنه أمام رجل عظيم من رجالات الوطن الذين يصدق فيهم قول الشاعر «إذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجسام» فمن تسنى له الإطلاع على حياة أبي أحمد، وأدرك كيف كانت نشأته بمدينته «محافظ المجمعة» وقرأ عن مسيرته الطويلة، حتى وصل العاصمة الرياض، طالبا، ومن ثم بعد تفوقه وتخرجه في كلية اللغة العربية وافتخاره بتتلمذه على يد أساتذة كبار، من أمثال عبدالقدوس أبو صالح، ومحمد لطفي الصباغ، وتعيينه مدرسا في معهد إمام الدعوة لنجابته، ثم انتقاله للتدريس في كلية الشريعة بمكة المكرمة، ثم بناء على نصيحة الدكتور العالم المصري فوزي البشبيشي لما لحظه عليه من امتلاكه لقدرات جيدة، أن يتابع دراسته في التربية، وقد فعل وذهب لأمريكا، وكان ذلك في سنة 1966م وبعد عودته، درّس في كلية التربية بجامعة الملك سعود، حتى رشح لإدارة مكتب التربية لدول الخليج، وكان أبرز إنجازه أثناء إدارة المكتب «إنشاء جامعة» تتبع المكتب، ثم بعدها رُشح لتولي وزارة التربية والتعليم في عام 1416ه، سيجد أنه أمام مسيرةحافلة بالعطاء لرجل كبير،وفقه الله إلى أن يصنع بأفعاله وأفكاره، منجزات تعليمية ستظل تشهد بما قدم لبلاده، وكلنا يعلم ما تحمله وهو يحمل على عاتقه أعباء وزارة التربية والتعليم، من الكثير من المصاعب والمشاق، وبدون شك إن مهمة تولي وزارة التربية والتعليم، ليست بالسهلة في أي بلد، فهي وزارة للقائمين عليها طموحات، والمجتمع المستفيد منها له فيها تطلعات، ومنسوبوها لهم متطلبات، وهناك الكثير والكثير من التحديات»وإرضاء الناس غاية لا تدرك» وكلنا يعلم ما لقاه وهو يحاول أن ينهج في قيادة وزارته منهجا غير تقليدي، كيف لا وقد قرأت له ما ذكره في خميسية «الوفاء للشيخ أحمد باجنيد» وهو يستعرض مسيرته تحت عنوان «مسيرتي مع الحياة» (لابد أن ندرك أن الحياة متغيرة متطورة وأن التعليم ينبغي أن يتطور للأفضل، وعلينا أن نعلم أن القائمين على التعليم لم يعطوه حقه، وعلينا جميعاً مسؤوليات عظيمة للنهوض بالتعليم ليس تلقيناً إنما هو الفهم، والإدراك والتطبيق هذا الكلام يعبر عما كان الرشيد يسعى إليه ويأمله، ولأنه قد رحل، وفقد مثل أبي أحمد يصعب على من عرفه من خلال عمله ومنجزاته كحالي، متابع لمقالاته التي كان يثرينا بها عبر جريدة الرياض «حديث الثلاثاء» ومقتن لبعض ما صدر ك»حتى لا تذبل قيمنا» فقد وقفت عند ما قاله أستاذه عنه الدكتور محمد لطفي الصباغ: (كم سعدت بالتعرف على الدكتور محمد الرشيد منذ سبعة وأربعين عاماً، وما اقترحت عليه عملاً يفيد الإسلام والمسلمين إلا نفذه، جزاه الله خير الجزاء) ولعل تلك الشهادة الصادرة من رجل يعي ما يقول، أختم بها عن رجل رحل إلى جوار ربه وكفى، رحمة الله.