كنتَ بالنسبة لي أخاً، وصديق عمر، ورفيق درب.. أحبك كل من عرفك، واحترمك كل من عمل معك، وكنت دائماً نموذجاً في العطاء وفي حب الناس والوفاء لهم.. كنت نقي السريرة، إنساناً ودوداً متسامحاً متواضعاً، لم أرَ منك يوماً غير دماثة الخلق وحُسن المعشر. هكذا عرفتك، وهكذا ستبقى في مخيلتي، وها أنا اليوم بقلب حزين ونفس مؤمنة بالله سبحانه أودعك يا أخي وصديقي عبدالله بن محمد العبدالكريم (السبتي)، داعياً العلي القدير أن يتغمدك بواسع رحمته، ويسكنك فسيح جناته. وبالرغم من حجم المصاب، وقسوة لحظة فراقك، لا أقول إلا أنه قضاء الله وقدره الذي لا ردّ له. أبو نواف.. بالرغم من مرضك إلا أنك كنت وأنت على فراش المرض تتصل بالجميع، وتطمئن عليهم، سواء قريباً أو بعيداً، وكنت حريصاً على ألا تُشعر الذين حولك بآلامك وتعبك؛ من أجل إسعادهم وإبقاء الابتسامة على وجوههم، فكم كنت عظيماً وأنت تتحامل على نفسك للخروج معهم في فسحة قصيرة خوفاً منك أن يتخلف أحدهم عن الجلوس معك، ولا أملك أمام ذلك إلا الدعاء لله أن يكتب لك ذلك في موازين حسناتك. يقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط». ولا أعظم ولا أكثر ألماً وحزناً من فقد أعز الناس وأقربهم إلى الروح والقلب (الوالدين)، والله سبحانه من خلق عباده وهو الأعلم بما في قلوبهم ونفوسهم، وما ابتلاؤه إلا محبة، وما للصبر إلا عظيم الجزاء والثواب إن شاء الله. فهنيئاً لك يا أبا نواف برّك بوالدتك قبل وفاتها - رحمها الله - هنيئاً لكَ حرصك ومثابرتك في عدم الذهاب إلى عملك قبل أن تقدّم لها طعام الإفطار بيديك، وتطيّبها بالدهن والعود، وتنفذ كل ما تطلبه منك بمساعدة وتحفيز من رفيقة دربك «أم نواف» جزاها الله خير الجزاء. ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فأضع ذلك الباب أو احفظه»، فأنت رحمك الله حفظت هذا الباب، وأدعو الله أن تكون أنت وزوجتك «أم نواف» أول من يدخل الجنة من هذا الباب. ما أجمل قبلة الوداع.. وما أزكى رائحة الأحباب حتى وهم ميتون.. ما أجمل قبلة الموت التي ستخلد بالذاكرة طويلاً؛ لأنها لا تحصل سوى مرة بالعمر، أما بقية القبلات فيمكننا أن نوزعها وقتما نحب وعلى من نحب. اللهم ارحم «أبا نواف»، ويمِّن كتابه، ويسِّر حسابه، وثقّل بالحسنات ميزانه، وثبّت على الصراط أقدامه.. اللهم اجعل عن يمينه نوراً حتى تبعثه آمناً مطمئناً في نور من نورك.. اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء؛ فارحمه رحمة تطمئن بها نفسه، وتقرّ به عينه.. اللهم اجعل قبره مدّ بصره، وافرش قبره من فراش الجنة، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، إنك أنت السميع المجيب.