قبل عدة أسابيع فقدت محافظة الرس أحد رجالها الأوفياء المخلصين ومن الأعيان المعروفين إنه الشيخ محمد بن عساف العساف محافظ الرس سابقا، لقد ودعت الرس وبكل أسى وحزن أبو خالد بعد سنوات مليئة بالجد والعمل من أجل هذه المحافظة وخاصة في فترة توليه قيادة المحافظة وحرصه وحبه لكل عمل يهم أهالي الرس وقيادته الحكيمة ومجلسه اليومي في منزله وترحيبه بكل زائر حيث تلاحظ عليه الحرص على تنفيذ أي مشروع يخص الرس، وكنت أقوم بزيارته في منزله وكان يتساءل بصفة دائمة عن مشاريع الرس وخاصة المطالبة في افتتاح جامعة الرس وسعيه لمقابلة المسؤولين خارج المحافظة حتى إنه من حرصه يقوم بتسجيل كل طلب في أوراق يحملها معه ويوثقها في وقتها حتى في أثناء مرضه الأخير، يتابع كل شيء من أجل الرس، كما أن أبو خالد يرحمه الله كان له جهود كبيرة في أعمال الخير والإنسانية، ولقد حدثني الشيخ ناصر العلولا وهو من يلازمه في كل الأوقات والمناسبات عن مبادرات أبو خالد في دعم مسيرة الخير ومساعدة المحتاجين وقال يشهد الله أن له أيادي بيضاء في كثير من مدن المملكة وقراها، وذكر العلولا وباختصار قيامه في بناء عدد من المساجد والجوامع في بعض مدن المملكة والتي زرتها وصليت فيها وبعض منها يشرف على بنائها مثل جامع الباهلي وجامع الجندل والفريدي، وهذه داخل المحافظة، كما ذكر انه يتعامل معه بعمل الخير من صدقات وإفطار صائم وغيرها لمدة خمسة عشر عاما، ويذكر أن من تواضعه- يرحمه الله- وفرحته بضيوفه ومرة في مجلسه الدائم أنه يأخذ فنجال القهوة ويقدمه لي بنفسه، وكان يشتري مواد غذائية من المحلات الغذائية ويرسلها بسيارات دينا للقرى والهجر التي تبعد عن الرس حتى ثلاثمائة كيلو متر، ولقد وقفت عليها بنفسي وكان يتصدق من أجود الأطعمة والأغذية الممتازة والغالية الثمن مثل رز أبو كاس والشعلان، وكان من عطفه على الأطفال حرصه على إدخال الفرحة بهم وتقديم هدايا خاصة بهم من حلوى وألعاب، كما أنه يحرص على دعوة الأيتام في منزله وضيافتهم وتفطيرهم في رمضان، ويقدم لهم هدايا العيد إضافة إلى مبادرته لإفطار الصائمين في منزله في شهر رمضان يوميا، وكنت أشرف على مشروعه الخاص في إفطار صائم في جامع الشيباني منذ خمسة عشر عاما، ويبلغ عددهم ألفا وخمسمائة وثمانين صائما، كما أنه يبادر بالتبرع للأيتام في عدد من مدن المملكة، وكان يرسل سنويا مواد غذائية للمستودعات الخيرية في عدد من مناطق المملكةومن حبه لاستقبال المحتاجين يفتح بابه يوميا في رمضان من بعد صلاة العصر إلى الساعة الثانية ليلا، ويقوم بتوزيع الصدقات المادية والعينية بنفسه، وقد وقفت على ذلك بنفسي حيث كان يستشيرني ببعض الناس المحتاجين الذين لا يعرفهم، وكان يحرصني على أي شخص محتاج ولديه كربة، وإن أخبره بذلك ويدفع مبالغ لتفريج الكربة، أذكر مطلقة مطرودة من منزلها وهو إيجار قام- رحمه الله- واستأجر لها منزلاً آخر، وقام بتأثيثه بالكامل، وكان يسدد فواتير الكهرباء عن المعسرين، وكان يحرص في الصدقة بحليب الأطفال وعلاجهم وكان يسعى لدعم المرضى والفقراء والأيتام لإدخالهم في المستشفيات إلى جانب ذلك سعة صدره- رحمه الله- على كل من يقابله من الناس والذين يفدون إليه في كل وقت، وكان بابه مفتوحا طوال الوقت، وذكر العلولا في ختام حديثه إن الفقيد- يرحمه الله- مواقفه الإنسانية كثيرة، وما ذكرته عنه قليل من كثير، وهذا الذي يحضرني وذكرته بكل أمانة سائلا المولى عز وجل أن يجعل ما قام به من أعمال خير في موازين حسناته، وأن يرزقه الله الفردوس الأعلى وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة. أما عن مسيرته العملية المليئة بالجد والعمل والإخلاص، وذلك نقلا من كتاب (الرس مدينة وأمير) لمؤلفه الشيخ (منصور عساف الحسين العساف) التي سوف نتطرق لها باختصار حيث ولد في مدينة الرس عام 1350 هجري ودرس فيها على يد الكتاب وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم ودرس في الطائف في المدرسة الصيفية، ثم انتقل إلى مكةالمكرمة ودرس في مدارس المعلاة ثم تنقل بين المدن حتى عاد إلى مسقط رأسه الرس عام 1365 ودخل المدرسة السعودية الابتدائية بعد افتتاحها وعاد إلى الحجاز مرة أخرى، ثم عاد إلى الرس وتزوج عام 1368 وتوظف في إمارة الرس عام 1382، كما عين مديرا للمكتب السري في إمارة القصيم ببريدة حتى أحيل للتقاعد المبكر بعد إكمال مدة الخدمة عام 1397 ثم أعيد للعمل مديرا للأحوال المدنية بالرس عام 1397 وعاد إلى إمارة الرس وعين وكيلا للأمير عام 1400 وحتى 1402 هجري بعدها عين أميرا للرس لمدة سبع سنوات وأحيل للتقاعد عام 1417، وذكر المؤلف في كتابه أن أبو خالد يعتبر من كبار رجالات العساف والذين لهم إلمام جيد بمعرفة القبائل النجدية خاصة وحافظا لتاريخهم وقصصهم وأشعارهم، وهو أول من قام بأول إعداد أول شجرة لعائلة العساف عام 1382 هجري وله آراء كثيرة فيما يخص تاريخ والده وأعمامه وبقية العساف. في الختام نسأل المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.