في البداية أدعو لها بهذا الدعاء (اللهم يا حنان يا منان يا واسع الغفران اغفر لوالدتي وارحمها واعف عنها وأكرم نُزُلها ووسع مُدخلها واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الذنوب والخطايا كما يُنقي الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أبدلها داراً خيراً من دارها وأهلاً خيراً من أهلها وأدخلها الجنة وأعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار. اللهم عاملها بما أنت أهله ولا تعاملها بما هي أهله. اللهم أجزها عن الإحسان إحساناً وعن الإساءة عفواً وغفراناً. اللهم أدخلها الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب. اللهم أنّسها في وحدتها وفي وحشتها وفي غربتها. اللهم أنزلها منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين. اللهم أنزلها منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة, ولا تجعله حفرة من حفر النار. اللهم افسح لها في قبرها ووسع مدخلها. اللهم أعذها من عذاب القبر وعذاب النار برحمتك يا أرحم الراحمين). اسمحوا لي أن أكتب بعض مناقبها، فهي والله عظيمة يندر أن تجد مثلها. كانت رحمها الله كريمة معطاءة، ما في يدها ليس لها حتى وهي في أمس الحاجة إليه، كانت تعطي ولا تبخل على أحد، وفي بداية حياتها كانت تعمل في مزرعة جدي وكانت تعطي من المزرعة المحتاجين ولم يعجب ذلك الفعل بعض أفراد الأسرة فذهبوا يشكونها لجدي رحمة الله عليهما فيقول دعوها تفعل ما تشاء فربما لا نجد غداً إلا الذي أعطت. وعندما انتقلنا إلى الطائف كانت إذا أرادت التسوق تعطي البائع أكثر من حقه، وكان أحفادها يتسابقون لخدمتها لأنها تعطيهم بسخاء، حتى العاملين معي يتسابقون لخدمتها لأنها كانت تكرمهم. كانت تستقبل ضيوفنا بابتسامتها وتخدمهم وتسهر على راحتهم سواء كنا نعرفهم أو لا نعرفهم (يأتون إلينا فقط لمعرفتهم بأحد أقاربنا فيدلهم على بيتنا للراحة)، كانت تطبخ لهم الغداء والعشاء لقلة المطابخ ولرغبتهم لتناول الطعام التي تطبخه بيدها، لم يكن لديها خادمات تساعدنها سوى أخواتي، أسال الله أن يحفظهن ويبارك فيهن ويرضى عنهن، ولم يكن الضيوف قليلين بل إنهم كثر حتى أطلق على بيتنا بالطائف مسمى فندق المزيد واشتهر بهذا المسمى عند الأقارب، وبالرغم من أن منزلنا صغيرٌ جداً يحوي فقط على ثلاث غرف إلا أنها رحمها الله تستقبل الضيوف برحابة صدر لدرجة أن بعض الأقارب يسكن معنا ليس لعدة أيام فقط إنما لعدة أشهر. وعندما كبرنا وأنعم الله علينا كانت تكرم الخدم والسائقين وتعطيهم بسخاء. كنت أمين الصندوق بالنسبة لها فكانت تأمرني أن أعطيهم وأن لا يعلم أحد بذلك، كانت تقول (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، فكم هي عظيمة. كانت امرأة عظيمة، كانت هي الأم والأب بالنسبة لنا لأن والدي -رحمه الله- كان يعمل خارج مدينة الطائف فقامت بدور الأم والأب، فكانت حريصة علينا وعلى تربيتنا، تتابعنا وتسأل عنا وتتفقدنا وتسهر على راحتنا، وبالرغم من أنها لم تكن متعلمة لكنها كانت حريصة على أن نكون من الأوائل في دراستنا، لم تبخل علينا بشيء فكان نتاج تربيتها رجالاً وبناتاً تقلدوا أعلى المراتب، كانوا حريصين على عملهم ومخلصين في تأديته لأنها هي التي غرست فيهم حب العمل والإخلاص. إنها زوجة عظيمة كانت تضحي بسعادتها وراحتها من أجل الآخرين، فعندما أصيب والدي -رحمه الله- في عمله في جبل الهدا وكان طريح الفراش ثلاث سنوات كانت تخدمه وتسهر على راحته وتحرص أن لا يزعجه أحد إلى أن شفاه الله بعد ثلاث سنوات. كانت رحمها الله تحب الناس وتصل القريب، لا تتأفف ولا تنزعج من خدمة الضيوف بل تفرح بهم، وكانت محبوبة من الكل الصغير والكبير القريب والبعيد، كانت تحب زوجات أبنائها كحبها لبناتها وتعاملهم معاملة بناتها، وتحب أزواج بناتها حبها لأبنائها وكانت حريصة على إرضاء الجميع، فهي أم الجميع. (كانت تكره ذكر الناس بالسوء وتنهانا عنه، وكانت تدعو دوماً «اللهم اشغلني بذكرك عن ذكر خلقك») كانت حريصة على الصلاة والنوافل والسنن والصيام وصيام التطوع حتى في مرضها وكانت حريصة أثناء نشاطها على إيصال الصدقة للمستحقين بنفسها. وفي مرضها كانت صبورة لا تتألم، وعندما نسألها هل يؤلمك شيء تقول لا. (أسأل الله أن يجعلها مع الصابرين) إنها والله فقيدة ويندر أن تجد في النساء مثلها. لك الجنة يا أمي، اللهم إني أسألك بنور وجهك الكريم الفردوس الأعلى لها ولوالدي ولوالديهم وأسال الله أن يجمعني بهم في الفردوس الأعلى.. آمين.