مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل ما أروع وصفك يا امرأ القيس في هذا البيت وفي القصيدة كلها, حين يمدح الخيل كأنه وصف عشناه معه, إنها وهج الشغف بالخيل وحبها, كيف لا نتولع بها وهي التي أقسم رب العزة بها حين قال: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا* فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا* فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا}. هي حقيقة ارتباط الإنسان بجذوره وتاريخه, هي عند العرب مورث عز وفخار, نعم هي ليست مجرد أداة ركوب استخدمها الإنسان, بل هي رفيقة أحلام وتطورات وقيام أمم واندثارها, قالوا قديماً إن الفرس الأصيلة إن مات صاحبها أقاموا العزاء على مربطها. تابعت الأخبار المتعلقة بسباقات الخيل في دورة عز الخيل, وتابعت أخبار مؤسس هذه الدورة صاحب السمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير حفظه الله, وإن كنت قد قدمت في حديثي اسم الدورة على مؤسسها فليقيني أن صاحب السمو يرضيه ذلك ويثلج صدره, الخبر كان يتحدث عن سلطان بن محمد حفر شعار فعالاً مهماً في دورات سباقات عز الخيل إلا وهو: «سباقاتنا نظيفة», وهو شعار يلخص أنه قد منع منعاً باتاً استخدام أية عقاقاير منشطة أو مسكنة على الخيل, هذه الخبر بحرفيته يقصد به أن السباقات الآن تقام على منطلق قدرات الحصان التي منحها إياها خالقه ومن ثم على ما يؤهله ساسيه ومالكه وراكبه, النجاح الآن للأفضل تجيهزاً وإعداداً وليس لأية عوامل صناعية خارجية أي دور بذلك. الفكرة أن الأصالة يجب المحافظة عليها, وأن القدرات يجب احترامها ويجب عدم التدخل في خصائص الخيل الجينية من خلال عقاقير ومواد مضرة, وتبقى خيل العرب على هرم الأصالة دائما فعليها حاربنا الشرك والردة وفتحنا أصقاع العالم كله, هي خيل مباركة تستحق منا كل اهتمام وتدبر, صاحب السمو الأمير سلطان حفظه الله وفي دورة العز أكد على أن العزة للجميع من يملك ومن يسيس ومن يشاهد ومن يحضر, فهي مضارب عز لا يقدرها إلا من كانت العزة تاجه بعد الإيمان بالله, والعزة واجب المحافظة عليها وتنقيتها وإبقائها نظيفة بعدية عن شوائب الطمع والتدليس. الاهتمام بالخيل وأمورها ليس مجرد هواية أو رغبة تنحصر في طبيعة شخص بعينه, بل لها دلائل كثيرة تفتح الأبواب على مستوى الحضارة والمدنية التي يعيشها المجتمع الذي تحترم فيه هذه الكائنات الرائعة في جمالها سبحان من خلقها, ما زلت أذكر تلك القصة عن أحد علماء الحديث النبوي الشريف الذي طلب حديثاً سمع أن رجلاً يرويه في بلاد بعيدة, فسار إليه أياماً وليالي متحملاً المشقة والتعب والمرض, فلما وصل إلى مقصده وسأل عن الرجل المزعوم أنه يروي حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم, وجده يرغب دابة عنده بالاقتراب منه من خلال رفع ردائه لها موهماً إياها أن بها علفاً فتأتي لتأكله, فلما قربت الدابة منه نفض ثوبه وأمسكها فتبين للعالم أن لا علف في ثوب الرجل, فرفض من حينها أن يأخذ الحديث عن الرجل وقال من كذب على خلق الله ولو كان دابة تسعى لا يؤمن صدقه في الرواية عن خير خلق الله أجمعين.