لقد كرم الله في كتابه المكفوفين، عندما جاء عبدالله بن أم مكتوم يطلب العلم من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فانشغل عنه بأمر الدعوة الإسلامية، فأنزل قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى). وفي اللغة.. الأعمى.. للبصر أو البصيرة. الكفيف .. للبصر فقط. الضرير.. الأعمى بعد إبصار. الأكمه.. المولود أعمى. ويسطر التاريخ إنجازات فاقدي البصر، وقوة إرادتهم، بالتغلب على كل معول هدام يقف بطريقهم.. شحنوا أذهانهم بتحقيق مأرب لهم، كأمثال أدباء خلدوا ذكرى، وظلت أجيال تترى تحكي قصصهم، كالأديب مصطفى الرافعي، وطه حسين.. وحالياً الشاب صاحب سلسلة اختراعات، رغم صغر سنه، مهند أبوديه. حقيقة.. تزخر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً «تويتر»، بمُبدعين مكفوفين، أثاروا فضولي، وقادتني للمعرفة فئة طالما كنت أود معرفة أسرارهم وعالمهم.. وجدت هناك تقنيين ومختصي برامج، على درجة عالية من الاحتراف، ولهم شروحات في المدعو «اليوتيوب»، ويستخدمون الهواتف الذكية بنظام iso، Android، ويخدمهم بناطق صوتي يساعدهم على تصفح الجهاز.. وفي الحاسوب يستخدمون برنامج NVDA، وهو قارئ الشاشة المجاني الذي يتيح لهم استخدام الكثير من التطبيقات العاملة في ظل هذا النظام، من خلال تزويدهم بصوت ناطق، ويدعم عشرين لغة وتصفح المواقع، وبريده الإلكتروني، وقراءة المستندات، إلا أنه يختلف بأنه لا يستخدم المؤشر «Mouse» للوصول إلى المحتويات، لذا يعتمد على لوحة المفاتيح ويحفظها عن ظهر قلب. وفي تصفح «تويتر» عبر برنامج the qube يتيح له إدارة أكثر من حساب، في نفس الوقت، من سطح المكتب، بشكل خفي.. الجدير بالذكر أن كف البصر لا يؤخر النمو اللغوي أو يعيق استخدام اللغة، ولا يختلف المكفوفون عن غيرهم من المبصرين، ويتسمون بذكاء طبيعي وقدرة على إجادة التعبير، ولديهم طموح، ويملكون أرواحا جميلة، ويمارسون حياتهم كما لو كانوا مبصرين..!! أراهن أن هناك الكثير قد تساءل، وتعجب، مثلي تماماً.. كيف يُغردون؟ كيف يقرأون ويكتبون؟ كيف يستخدمون الحاسوب؟ كيف ينتجون مقاطع صوتية؟ فاتضح لي أن هناك فرقا بين أعمى البصر أو البصيرة!! تذكرتُ حينها قوله تعالى: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).. فسبحان الله، ولله دركم يا عباقرة.