في هذه السنوات الأخيرة، اضطربت أحوال عالمنا العربي بصورة بشعة، لم يكن لأحد أن يتوقعها، خرجنا بمحصلة واحدة، أن ما خلّفته هذه الاضطرابات المسماة بالثورات أو بالربيع العربي، لا يعدو كونه، كومة خراب ودمار، دون استقرار يذكر، مهما برّر البعض من السياسيين، والواقع يشي بذلك، دون أدنى مشاحة، قتل بالآلاف وخراب ودمار، وضياع أمن، لم تخلفه الحروب التي مرّت في عصرنا، ومع ذلك لم يستقر حال من نجح في إسقاط نظامه، تعالوا لننظر إلى حال، التونسيين، واليمنيين، والليبيين، والمصريين، كأمثلة واقعية، هل هي مستقرة؟ أم لا يزال الاضطراب السياسي، قائم يلعب لعبته، نعم لست مع الأنظمة الظالمة والمستبدة، ولست مع الأنظمة التابعة الناهبة، لكن مع الاستقرار والأمن وتقديمهما في المقام الأول، مهما بلغ ظلم الحاكم، لنجري مقارنة سريعة بين عهدي الأنظمة التي سقطت، والحال بعد السقوط، ليس ثمة مقارنة البتة، لم نسمع في حياتنا المعاصرة، ولم نشاهد حال ما يجري الآن، مهما حاول البعض تخديرنا بمصطلحات ومقولات معسولة ظاهرها فيه الشفقة وباطنها فيه إرجاع الشعوب لعهد التخلف والاستبداد والاستعمار من جديد، لُعب علينا بمقولة (الربيع العربي) فصدّقنا اللعبة، وطفقنا نرددها، لنتجاوز بعض الثورات، ونقف عند ما يجري في (سوريا ومصر) على وجه الخصوص، من صراع لدرجة الجنون، إنه أمر مخز، لا يفسّر بغير ما يراد لهذين البلدين من الضعف والهوان وإشعال الفتن بين أحزاب وطوائف وتيارات هاتين الدولتين، زيادة على ما كان يعانيه هذان البلدان من قبل، هذه الأيام، مصر بالذات تعيش في دوامة، تعاقب الحكومات يبدو أن أيادي خفية تلعب لعبتها في هذا البلد العربي الكبير، الذي يحلو لأهله أن يصفوه (بأم الدنيا) لكن نرى (العيال) وهم يعقّون أمهم بالثلاث، كما الطلاق، من خلال أفعالهم المشينة، من شاهد قبل أيام (الميادين الممتلئة بالملايين) لا بد له أن يضع يده على رأسه، ويقول في نفسه، كيف تجري مثل هذه الأحداث المؤلمة في أرض الكنانة؟ ومن يا ترى المستفيد؟ وأي مستقبل ينتظر هذا البلد في ظل هذه العواصف والقواصف؟ كل فريق يولول ويتوعد، المسافة بينهما كبيرة ولا يعتقد أن السبيل للتقارب بينهما، ممكن، في ظل التعنت الواضح من الفريقين، والضحية كما يبدو، البلد ومن يعيش على أرضه، والعيون من حوله تترقب نهاية الجولة، الأحداث المعاصرة في مصر، تعود بنا قروناً إلى الوراء، تعود بنا إلى هيمنة ادولة العبيدية الشيعية الفاسدة على مصر، في حقبة الخلافة العباسية، حتى أراد الله لها النجاة من هذا الكابوس، فقيّض لها رجلاً، لم يزل التاريخ، يسطر شجاعته بمداد من الذهب، إنه البطل (صلاح الدين الأيوبي رحمه الله) الذي استطاع بحنكته وشجاعته، أن يسقط آخر خليفة عبيدي فاسد هو (العاضد) الذي عضدت به الدولة العبيدية، وطوى التاريخ صفحاتها المظلمة، إلى ما لا نهاية، وعادت مصر إلى حظيرة (أهل السنة والجماعة) من جديد، وقد فرح المسلمون بهذا النصر وعودة مصر إلى أصحابها الحقيقيين، فألفوا الكتب، فرحاً بهذه المناسبة، وممن كان له قصب السبق في ذلك، (ابن الجوزي المتوفى سنة 597ه) ألد أعداء الشيعة والصوفية والباطنية في عصره، ألف كتاباً طار اسمه في الأمصار، إنه كتاب «النصر على مصر» ويقصد فيه رحمه الله، انتصار المذهب السني على المذهب الشيعي الباطل، قال رحمه الله «وقد صنّفت في هذا كتاباً سمّيته «النصر على مصر» وعرضته على الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين» شاركه غيره من علماء عصره، وفي تلك الفترة التي حكم فيها العبيديون مصر، أصابها التخلف والشلل، في شتى ميادين الحياة، مما حدا بالذهبي، بأن يصف خلفاء الدولة العبيدية بعد سقوطها (بالمتخلفين) وذلك في كتابه (سير أعلام النبلاء) بقوله «وكانوا أربعة عشر متخلفا لا خليفة» وإذ نحن نتابع مجريات الأحداث السياسية في مصر وسوريا، نقول في أنفسنا إلى متى تنتهي هذه السيناريوهات الملعوبة في هذين البلدين؟ أو ننتظر الأمل، بأن يقيض الله لكل منهما، رجلا رشيدا، يأتي ليحاكي ابن الجوزي، في فهمه، للنصر على الظلم والفوضى، التي تجسدها المشاهد المؤلمة، في هذين البلدين العربيين، فقط، الأمل بالله، ونعم بالله... ودمتم بخير. [email protected]