يقال إن الإدارة ليست من العلوم الدقيقة. وبنظري، لا تنطبق هذه الصفة معظم الأمور التي تشمل دراسة للسلوك البشري. بيد أنّني أتساءل في بعض الأحيان إن كان هذا هو السبب -أو العذر- الذي يجعل قسم كتب الأعمال في مكتبات المطارات يحفل بالكلام الفارغ. غالباً ما يكثر الحشو في مؤلفات من هذا النوع، مع الإشارة إلى أن المؤلفين -وهم عبارة عن «مفكرين إداريين و»زعماء» (وليسوا أبداً علماء) طموحين- لديهم حس ممتاز بنبض قرّاء مؤلفات الأعمال. وهم ليسوا محتالين ولا مشعوذين، بل يكتبون ما يؤمنون به. غير أنّ ذلك لا يجعل معتقداتهم صائبة. وتقوم تركيبة شائعة لتأليف كتاب أعمال شديد الرواج على البدء بإيراد قائمة شركات ملفتة للنظر، تخطت بأدائها الشركات النظيرة لها طوال سنوات. وللأمر ميزة مضافة، كونه ينشئ هالة من الموضوعية، لأن القائمة مبنية على «بيانات كمّية موضوعية». وبالتالي، يأخذ المفكر الإداري قائمة الشركات المتفوقة في أدائها ويدقق (بطريقة أقل موضوعية عادةً) في العناصر المشتركة بين هذه الشركات. ولا شك -وفقاً للافتراضات والاستنتاج الراسخ- في أن القواسم المشتركة بين هذه الشركات يجب أن تكون جيدة، وبالتالي، فلنؤلف كتاباً عن الموضوع ونصبح أغنياء. وعلى سبيل المثال، تمثّلت نصيحة وردت في كتب من هذا القبيل باستحداث ثقافة مؤسسية قوية ومتناسقة، شبيهة بثقافة معظم الشركات العالية الأداء التي تتم دراستها. إلا أننا بتنا نعرف الآن من البحوث الأكاديمية أن ثقافة قوية غالباً تنتج عن فترة من الأداء العالي، بدلاً من أن تكون سببها. والواقع أن ثقافة شديدة التناسق قد تمهّد السبيل حتّى لما يُعرَف باسم فخ الجدارة، حيث تبقى الشركات عالقة في معتقداتها القديمة وطرق التصرّف المعتمَدة لديها. وليست صدفة إن كانت قائمة الشركات المتفوّقة غالباً ما تبدأ بالتفكك عندما يكون الكتاب في مرحلة لا تتعدّى مرحلة الطباعة. وتقضي تركيبة أخرى بإدخال ممارسة إدارية جديدة ورائجة، على غرار معايير ستة سيغما أو الإنتاج المرن. ولا يكتفي الكتاب بوصف الممارسة، بل ويعرّفنا بقصص نجاح أولى الشركات التي اعتمدت هذه المعايير، على شكل مقابلات ودراسات حالات تبعث شعوراً بالرهبة. إلا أننا نعرف من البحوث الأكاديمية حول ممارسات من هذا النوع أنها لا تستحدث أي قيمة على المدى الطويل، وأن أولى الشركات التي اعتمدت ممارسات كهذه تميل للمبالغة في ذكر المنافع، وأنه من المحتمل أن تتسبّب بعرقلة الابتكار على المدى الطويل، وأنه في سياق عملية منح شعبية للممارسة المذكورة، يتم تحوير النسخة الأساسية منها (التي نجحت ربّما في الشركة التي طوّرتها) إذ تصبح مبسّطة إلى حدّ مفرط أو عادية وغير فعالة. إلا أن بيع الكتب يبقى مستمراً، وتبرز قوائم جديدة عن شركات ممتازة، وتعود شركات ذات رواج مؤقّت إلى الواجهة. وقد لا يكون الأمر مستغرَباً، لأنه من طباع البشر الانجذاب إلى أغاني الحوريات الخادعة وتصديق الوعود بأيام مزدهرة. ولكن في بعض الأحيان، قد يكون من المنطقي تطبيق ما لقّنه أوديسيوس لرجاله، عند رؤية الحوريات، إذ أوصاهم بسدّ آذانهم بالشمع والإبحار قُدماً في عرض البحر. - فريك فيرمويلن أستاذ مشارك في مادة الاستراتيجية وريادة المشاريع في «لندن بيزنس سكول»، وهو مؤلف كتاب بعنوان: «كشف النقاب عن الأعمال: الحقيقة التامة لما يحصل فعلاً في عالم الأعمال» Business Exposed: The Naked Truth About What Really Goes On in the World of Business.