لم يعد ثمة مجال لمشكك في أن النظام في سوريا هو من ارتكب مجزرة الغوطتين الكيماوية الشنيعة، فالصواريخ التي حملت السلاح الكيماوي إلى مسرح الحدث لا يملكها الثوار وإنما النظام، فضلاً عن أن من السذاجة اتهام المعارضة بهذه الجريمة النكراء، إلا أن يكون منطقياً أن يقتل الإنسان نفسه ليدين خصمه. كما أن مماطلة النظام في السماح للمفتشين الدوليين الموجودين في سوريا لكي يقفوا على مسرح الجريمة يُعزِّز الاتهام أن نظام بشار هو بالفعل من ارتكب هذه المجزرة. والسؤال: لماذا أقدم النظام على هذه الفعلة الشنيعة، والمفتشون الدوليون في دمشق على بعد بضعة كيلو مترات من مسرح العملية؟.. هل هو حمقٌ أم غرور؟ في تقديري لا هذا ولا ذاك؛ فالدلائل تؤكّد أن النظام بدأ يفقد القدرة على التحمّل بعد أن فقد ما يزيد عن 40% من سوريا، وأصبح الثوار يسيطرون عليها فعلياً، كما أن الزمن على ما يبدو يجري في غير صالحه، وحرب العصابات التي يتبعها الثوار، وانتقالهم وبسرعة تكتيكية من منطقة إلى أخرى في الجغرافيا السورية، أنهكته وأنهكت جنوده واستنزفت قدراتهم، ولا حل أمامهم للقضاء على هذه المقاومة، واستعادة زمام المبادرة، وكذلك استعادة المناطق التي يُسيطر عليها الثوار، أو على الأقل وقف تقدّمهم نحو العاصمة، إلا استخدام هذا السلاح. أي أن المعادلة كانت إما الهزيمة والتراجع لتتقدّم المقاومة وتُحكم حصارها على دمشق وعلى قيادات النظام أو استخدام السلاح الكيماوي؛ ويظهر أن وضع النظام العسكري في منتهى السوء على الأرض، ما اضطره إلى المقامرة واللجوء إلى هذا السلاح مرغماً وليس مختاراً. كل المؤشرات الآن تشير إلى أن الأمريكيين، وربما الأوربيين أيضاً، سيتدخلون بطريقة أو بأخرى ويوجهون ضربة للنظام، فلا مناص من تحمّل مسؤولياتهم الدولية (الأخلاقية) أمام هذه الجريمة النكراء، بما سيصب في النتيجة إلى إقحامهم في هذا النزاع مضطرين، لذلك فإن تفجيرات طرابلس، وقبلها تفجيرات الضاحية في بيروت، كانتا على ما يبدو استباقاً من السوريين لتوسيع جغرافيا هذه الحرب، بإدخال لبنان إلى تخومها، ليتسع الشق على الراقع الأمريكي أو الأوربي، ويصبح أي تحرك أمريكي أو أوربي فيما لو حصل هو دخول إلى (نزاع طائفي معقد) ومفتوح على احتمالات هي الأخرى مُعقدة ومتشابكة. تدخل الأمريكيين والأوربيين بأي شكل كان (لعقاب) النظام في دمشق جراء استخدامه السلاح الكيماوي، سيصب في مصلحة الثوار قطعاً، وسيضعف في المقابل ليس من قوة النظام السوري فحسب، وإنما من قوة ونفوذ الإيرانيين أيضاً، ممثلين بحزب الله وفيلق القدس، حيث يحاربان بضراوة إلى جانب قوات النظام، ما يجعل إقدام إيران على تفجير الوضع في المنطقة من خلال حزب الله، وإقحام إسرائيل في الحرب بقصفها بصواريخ الحزب أمراً محتملاً، ولعل الصاروخين اللذين انطلقا من منطقة المنصوري جنوبي صور تجاه إسرائيل الأسبوع الماضي كانا رسالة من حزب الله والإيرانيين تحمل تحذيراً للغرب مفاده أن أي تدخل ضد النظام السوري، فإن إسرائيل ستدخل إلى أتون هذا الصراع. كذلك (جبهة النصرة) القاعدية هي جزء مفصلي من معطيات تعقيد الوضع في سوريا، فهذا الفصيل كما يؤكّد الراصدون لفصائل الثوار في سوريا، هو الفصيل الأقوى والأشرس من فصائل الثوار السوريين، وإضعاف النظام يعني أوتوماتيكياً نُصرة لجبهة النصرة، وبالتالي القاعدة، وتمهيداً للطريق أمامهم للتحكم في دمشق، وهو ما يُضفي بُعداً خطيراً على تبعات سقوط النظام في سوريا. بقي أن أقول: تعامل نظام بشار (الأحمق) مع أطفال درعا أوقد شرارة الثورة. وقصف أطفال الغوطتين بالكيماوي هي الغلطة الثانية التي يبدو أنها ستنهي نظامه، وتضعه تاريخياً في جوار (نيرون) الذي أحرق روما. إلى اللقاء.