تتطلع الشركات الخليجية والمستثمرون المدعومون من الحكومات والذين يتمتعون بوفرة في السيولة ويواجهون خيارات محدودة للنمو في أسواقهم المحلية إلى الأسواق الناشئة في افريقيا وآسيا، إلى الحصول على موطئ قدم في قطاعات رئيسية مثل البنوك والاتِّصالات. ومنذ سنوات يضخ مستثمرون من الخليج أموال النفط في أسواق متقدمة في الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان. والتركيز المستمر على بلدان أقل تقدما أمر جديد وربما يكون له آثار كبيرة على الاقتصادات التي ستتدفق عليها هذه الاموال. ويُعدُّ بنك الإماراتدبي الوطني أكبر بنوك دبي أحد النماذج على هذا التوجه إِذْ قال المدير التنفيذي للبنك ريك بودنر لقمة رويترز للاستثمار في الشرق الأوسط ان البنك يسعى إلى عمليات استحواذ محتملة في مناطق بينها إفريقيا. وأضاف بودنر «إذا ما كانت هناك فرصة جيدة للاستفادة من ضعف أسعار الأصول في المنطقة فيجب عليك أن تدرسها». وتظهر بيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات بداية هذا التوجه. فقد ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الدول العربية ومعظمها من الخليج 24 في المئة إلى 24.6 مليار دولار العام الماضي بينما قفزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من جميع دول العالم 17 في المئة إلى 1.69 تريليون دولار. ويقف حافزان رئيسيان وراء تدفق الاستثمارات الخليجية على الأسواق الناشئة، يتمثل الحافز الاول في أن نمو الشركات الخليجية تجاوز استيعاب أسواقها المحلية وتضطر إلى التوجه للخارج حتى تستطيع مواصلة النمو. فقطر على سبيل المثال لديها 20 بنكا تخدم نحو مليون نسمة هم كل سكان البلاد. ويجري بنك قطر الوطني وهو أكبر بنوك الدولة الخليجية بقيمة سوقية تزيد على 25 مليار دولار مفاوضات في مرحلة متقدمة لشراء البنك الاهلي سوسيتيه جنرال الذراع المصرية لبنك سوسيتيه جنرال. ووافقت شركة اتِّصالات قطر (كيوتل) المملوكة للدولة في يونيو على مضاعفة حصتها إلى المثلين في اسياسيل ثاني شركة لخدمات الهاتف المحمول في العراق إلى 60 في المئة مقابل 1.47 مليار دولار. وربما تسعى للحصول على حصة في اتِّصالات المغرب بعد أن قالت فيفندي الفرنسية انها تلقت أربعة خطابات لابداء الاهتمام بعملية البيع المحتملة لحصتها في الشركة المغربية التي تبلغ 53 بالمئة. أما الحافز الآخر فأكثر ايجابية.. إِذْ تعتقد الشركات الخليجية أن مهاراتها وخلفيتها تمنحها ميزة تنافسية في اقتناص بعض الفرص في الأسواق الناشئة. ومن بين المجالات التي تعتزم الهيمنة عليها قطاع المصارف الإسلامية المتوقع أن ينطلق في شمال إفريقيا. وقال جمال عبدالملك رئيس مجلس إدارة مصرف التجارة والتنمية الليبي «نجد اهتماماً كبيراً من البنوك الخليجية والاقليمية التي ترغب في دخول السوق الليبية وخصوصاً تلك التي تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية». وتمنع دول مثل السودان المنكوب بالحروب والفقر وصراع يمتد عشرات سنوات مع جنوب السودان المستثمرين الأجانب لكنه يبدو سهل المنال بالنسبة للخليج بسبب الروابط الثقافية والسياسية. وذكر فادي الفقيه المدير العام لبنك الخرطوم أن المستثمرين في البنك -الذي تمتلك بنوك خليجية معظمه بينها بنك دبي الإسلامي ومصرف الشارقة الإسلامي - يعتزمون زيادة رأسمالهم. وقال لقمة رويترز للاستثمار في الشرق الاوسط انه ستتم زيادة رأس المال خلال عامين إلى مليار جنيه سوداني (225 مليون دولار وفقا لسعر الصرف الرسمي) من 300 مليون جنيه ما يتيح للبنك توسيع مشروعاته المالية والزراعية والتعدينية في البلاد. وقال بودنر المدير التنفيذي لبنك الإماراتدبي الوطني ان وضع دبي كمركز مالي وتجاري يربط العديد من المجموعات الرئيسية من الأسواق الناشئة يجعل من المنطقي أن يفكر البنك في الاستثمار في هذه الأسواق. وتابع «تتمثل استراتيجيتنا في الأمد الطويل في الاستفادة من النفوذ المتنامي لدبي فيما يتعلق بمواقع تسهيل التجارة وتدفقات رأس المال بين أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا... نعتقد أن دبي في موقع نموذجي لربط هذه التدفقات معا». وتباطأت الشركات الأجنبية في دخول الأسواق الآسيوية مقارنة بأسواق إفريقيا لكن كثيرا من المصرفيين يعتقدون أن الاتجاه إلى آسيا مسألة محسومة وقد تبدأ قريبا. وفي فبراير من العام الماضي استكمل بنك قطر الوطني الاستحواذ على حصة أغلبية في بنك كيساوان الاندونيسي. ومع ارتفاع أسعار النفط يتمتع الخليج بمزيد من الأموال لاستثمارها في الخارج أكثر مما يمكن أن ينفق في الاستحواذ على الشركات والاستثمارات وبالتالي بدأت بعض أموال الخليج السائلة في التدفق على سندات الأسواق الناشئة. وبشكل تقليدي يصب مستثمرو السندات في الخليج تركيزهم على المنطقة. لكن في سبتمبر اشترى مستثمرو الخليج نحو 60 بالمئة من أول إصدار تركي لصكوك إسلامية بما اجماليه 1.5 مليار دولار. وعدّ هذا مؤشرا على استعداد الصناديق الخليجية للمغامرة في غير أسواقها المعتادة وربما يعقب ذلك استثمارات خليجية في سندات تعتزم إصدارها دول شمال إفريقيا الساعية لإصلاح مالياتها العامة بعد الربيع العربي.