تشغل قضايا الخدم وقتاً كبيراً من أحاديث السمار ومجالس الرجال والنساء على سواء، ويتشعب الحديث عن ارتفاع أجور استقدام الخادمات إلى هروبهن، وإلى التوقف المؤقت لجلب الخادمات من بعض البلدان، وقد يمتد إلى قصص أخرى ما بين إدانة أو تجنٍّ على الخدم على طرفي نقيض؛ فهناك من جلبت لمكفوليها المصائب بسِحْر وشعوذة وجلب أذى بدني ونفسي، أو الاعتداء على ربة المنزل والأطفال، وفي المقابل تأخير لصرف المستحقات، وأذى نفسي وبدني للخادمات، والاعتداء عليهن، ومنع حقوقهن.. وكل هذه الحالات موجودة؛ ولا عجب أن تشغل حيزاً مستمراً في أحاديث المجالس؛ فهي دائماً من أحاديث الساعة، وستظل إلى أن يشاء الله. وبما أن الحديث عن الخدم يتخذ صفة الديمومة فإن تكرار الحديث عن المشاكل والقضايا وفي عمود صحفي، أو أي وسيلة إعلامية أخرى، يصبح ثقيلاً على أسماع وأبصار القراء أو المشاهدين والمستمعين، وأصبح الصغير قبل الكبير يعرف حدود المشكلة وعلاجها. والحديث الذي سأتناوله بعيداً عن المشاكل وقضايا الخدم هو جانب إنساني وديني، حث عليه ديننا الحنيف، وحببه إلينا قدوتنا ومعلمنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ألا وهو الإحسان إلى الخدم، وهو إلى جانب ما فيه من التأسي والاقتداء بسنة المصطفى - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - وما فيه من الأجر العظيم، فإن الإحسان مدخلٌ لباب من أبواب تأليف القلوب، وقد جُبلت القلوب على حب من أحسن إليها. والآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة حافلة بما يحث على الإحسان إلى هؤلاء، قال تعالى: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم؛ فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كفلتموهم فأعينوهم». وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي أف، ولا لِم صنعت، ولا ألا صنعت» رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه، فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه فليناوله وله أكلة أو أكلتين». وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما استكبر من أكل معه خادمه وركب الحمار بالأسواق واعتقل الشاة فحلبها»، ولرب أن يأتي من يقول كيف نحسن إلى من يسيء، والجواب هنا في كتاب الله في الحث على العفو والصفح، كما قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. وقد روى الترمذي عن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق - رضي الله عنها - أنها قالت: إن رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس بين يديه فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأضربهم وأشتمهم، فكيف أنا منهم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك عليهم، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً، لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتُصّ لهم منك الفضل الذي بقي قبلك». فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك؟ ما تقرأ كتاب الله {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}، فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد شيئاً خيراً من فراق هؤلاء يعني: عبيده، إني أشهدك أنهم كلهم أحرار. هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان وكظم الغيظ والعفو والصفح، وما جاءت به الآيات الكريمة وحث عليه ديننا الحنيف، وإذا لم يكن ثمة إحسان فلا أقل من كف الأذى وعدم تحميل الناس ما لا تطيق. خاتمة: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». [email protected]