لا أعلم من أي باب من أبواب السماء تدفّقت هذه الرحمة وانهالت تلك المشاعر الإنسانية الرقيقة على أمريكا وبعض الدول الغربية، التي ندّدت وشجبت واستنكرت أعداد الضحايا في أحداث فض اعتصاميْ رابعة والنهضة؟! لقد آلم الدم الذي أهريق وتدفّق في شوارع وميادين مصر كل عربي ومسلم وإنسان غيور، ألم نازف إلى حدِّ الفجيعة، ليس على دم أزرق ودم آخر رخيص، ينتمي الأول إلى الجيش وقوى الأمن نذرف عليه الدموع مدراراً ونتجاهل دماء أتباع الجماعة ومن والاها أو تأثّر بخطابها ؛ لا والله ، إنّ من في قلبه ذرّة من دين وعروبة وإنسانية، لن يكون سعيداً بجثة متضرّجة أو متفحّمة أو مشوّهة بقطع رأس أو سحل أو دوس بأقدام العابرين من المارة ، سواء كانت الضحية من هذا الفريق أو ذاك ، فكلهم مصريون ، وكلهم منا وفينا ، وهي فتنة ليست حادثة طارئة ؛ بل موغلة في التربة المصرية ، معمرة في وجدانات ثمانية من أجيال المصريين ، فقد سبق هذه الواقعة وقائع ، ومضى قبل هؤلاء الضحايا ضحايا! إنّ الملامة ليست على استخدام القوة المفرطة من الجيش أو من الجماعة أو من المندسِّين العملاء الراغبين في إكثار عدد الضحايا من الطرفين استمراراً للفتنة ، فالمرتزقة الملثمون من جماعة بلاك بلوك الذين يستلمون بالدولار من السفارات الغربية لهم تاريخ معلوم ؛ سواء في ملعب الإسكندرية حيث قُتل ما نيف على ثمانين ، أو في حرق الكنائس في كل القطر المصري ، أو في قتل المتظاهرين من كل طرف ؛ لكننا لابد أن نتوجّه بشيء غير قليل من الملامة على قادة الجماعة الذين توجًّه إليهم الحكماء لإقناعهم بفض الاعتصام الذي قارب الشهرين وعطّل الحياة وأثار الفوضى ؛ حقناً للدماء وسعياً إلى المصالحة ؛ ولكنهم تعنّتوا واستكبروا ورفضوا الوساطات والمشاركة والجلوس إلى طاولة الحوار! إنْ كنا تألمنا ولا زلنا نتألم لما يحدث، وهو شعور صادق لا مراء فيه ولا تزيد على الإخواني والمجنّد والضابط ؛ فما دوافع هذه الشفقة الفجائية التي حلّت في قلوب الغربيين وعلى رأسهم العمة الكبيرة أمريكا ؛ لتواصل التنديد والتهديد بقطع المساعدات والتبادلات التجارية ودعوة مجلس الأمن لاتخاذ قرارات عاجلة؟! أين الغرب وأمريكا ليس عن خمسمائة ضحية في مصر أو ألف ؛ بل عن شعب كامل ووطن يُباد بالطائرات والصواريخ والأسلحة الكيماوية المحرمة ، سجونه تغص بمئات الآلاف من المعذبين ، وعلى كل شبر منه ترتكب أقسى وأبشع أنواع حالات انتهاك الإنسانية ؛ من اغتصاب وقتل وتمثيل بالجثث وجز لشعور النساء، وارتكاب أبشع صور المهانة للمرأة أمام زوجها وأولادها من أزلام النظام العسكري الطاغوتي في سوريا؟! أين العدالة الأمريكية والغربية عن كل ذلك؟! لِمَ لم يجتمع مجلس الأمن ويتخذ قراراً برفض ما يحدث بإجماع دول الفيتو، والتدخُّل العاجل لإنقاذ الإنسانية المعذّبة في سوريا؟! أين أمريكا والغرب مما يحدث في فلسطين من استرخاص للبشر بالقتل أو الاعتقال أو التشريد ؟! أين هي مما يحدث في العراق من مهازل النظام المجوسي الذي أهدت العراقَ إليه بعد تدميره واحتلاله ؟! هل يمكن أن ينسى التاريخ أو يشطب من سجلاته مآسي فيتنام أو هيروشيما ونجازاكي أو أفغانستان أو جوانتانامو أو سجن أبي غريب؟! كيف حلّت الرحمة الطارئة على ضحايا نزاع بين طائفتين من شعب واحد ربما يلتقيان غداً أو بعد غد على كلمة سواء؟! لِمَ كل هذا الفزع ؟! وعلام كل هذه الصيحات؟! أيمكن أن نصدق أنها لوجه الله أو للإنسانية المعذّبة؟! لا؛ ليست لوجه الله، ولا للإنسانية ؛ بل هي هلع ورعب من انهيار المشروع الخطير الذي اشتغل الغرب على تنفيذه قرناً من الزمان منذ 1916م، وأخذ شكلاً آخر في التنفيذ بواسطة الجماعة وغيرها قبل عشر سنين! لقد آن أنّ للعرب أن يصحو على ما ينتظرهم غداً إن سمحوا للخطوة التالية من الفوضى الخلاّقة أن تتم! [email protected] mALowein@