تحتل صناعة البتروكيماويات المرتبة الثانية بعد النفط في الصناعة السعوديَّة، وهي تمثِّل الواجهة المشرقة للصناعات الوطنيَّة. وبرغم أهميتها؛ تُعدُّ صناعة البتروكيماويات من الصناعات الخطرة والمضرة بسلامة البيئة وصحة الإِنسان؛ ما حمل المنظمات الدوليَّة على فرض قيود مشدّدة في التَّعامل مع مخرجاتها؛ ومخلفاتها الصُّلْبة؛ الغازية؛ والسائلة. تُميز منظمة الصحة العالميَّة بين النفايات البتروكيماوية من حيث المخاطر «قصيرة الأجل» أو المخاطر «طويلة الأجل» ذات العلاقة المستديمة بالبيئة؛ وتوصي بإدارتها وفق أنظمة صارمة تحول دون إحداثها أثر التلوُّث البيئي. وتهتم منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعيَّة (اليونيدو) كثيرًا بشؤون إدارة الموادّ والمخلفات الصناعيَّة الخطرة؛ ومنها المخلفات الكيماوية؛ وتسهم بِشَكلٍّ مباشر في تقديم الخبرات الدوليَّة المختلفة وقصص النجاح للدول الناشطة في صناعة البتروكيماويات؛ إلى جانب اهتمامها الرئيس في تشجيع التنمية الصناعيَّة المستدامة؛ والسَّلِيمَة بيئيًّا؛ في البلدان ذات الاقتصاديات النامية. وعلى المستوى المحلي؛ تهتم الهيئة الملكية للجبيل وينبع؛ بتطبيق أعلى معايير الأمن والسلامة على صناعة البتروكيماويات؛ وبما يحول دون تأثيرها السلبي على صحة الإنسان وسلامة البيئة؛ وهي نجحت مؤخرًا في الحصول على إشادات دوليَّة لعملها الفاعل في جانبي الأمن والسلامة؛ وحماية البيئة من الملوثات الخطرة. تعتمد الهيئة الملكية نظامًا صارمًا في التَّعامل مع النفايات الكيماوية التي يتم تسليمها لشركات متخصصة في المعالجة؛ وفق إجراءات مشدّدة تهتم بالمناولة؛ والنقل؛ والمعالجة النهائية؛ كما أنّها تدقق كثيرًا في ملوثات الصرف الصناعي؛ ومياه التبريد؛ وقد فرضت خلال السنوات الماضية غرامات ماليَّة مرتفعة على بعض المخالفين ما أدَّى إلى رفع التحوط لدى الشركات الصناعيَّة العاملة في محيطها الإشرافي. ارتفاع تكلفة عقود معالجة النفايات الكيماوية فتحت الباب أمام «طفيليات» نشأت على حساب الشركات الرسمية الموثوقة؛ تحت تصنيف الشركات السعوديَّة المتوسطة؛ التي تسهم في معالجة كميات من النفايات ذات الخطورة المتدنية؛ إضافة إلى شركات النقل غير المأمونة؛ كما أن بعض شركات الإنتاج الصَّغيرة ربَّما تخلصت من نفاياتها بطرق غير مشروعة؛ توفيرًا للنفقات. يبدو أن بعض تلك الشركات انحرفت عن معايير النزاهة؛ ومعايير التَّعامل مع النفايات بأنواعها، فأصبحت تتخلص من بعضها بإلقائها في صحراء الجبيل؛ التي تُعدُّ من النَّاحية التنظيميَّة؛ خارج حدود الهيئة الملكية. تابعت في اليومين الأخيرين عمليات منظمة للتخلُّص من مخلفات؛ يُعتقد أنها؛ كيماوية؛ شُحِنَت بصهاريج خاصة ومأمونة؛ أو بعبوات زرقاء وأخرى بيضاء؛ وتَمّ نقلها إلى مجمع بدائي قريب من سوق الأغنام في الجبيل؛ حيث تقوم العمالة الأجنبية بنقلها من تلك الصهاريج ذات المعايير العالميَّة المفروضة على شركات النقل والمعالجة؛ إلى صهاريج كبيرة لا تحمل أيّ إشارة للشركة؛ ولا تحذيرات بخطورة المادَّة المنقولة؛ فتؤخذ إلى منطقة صحراوية قرب «البري» فتفرغ في مخطط يتم إنشاؤه حديثًا. يبدو أن هناك تعاونًا بين قائدي الشاحنات؛ وبين العاملين في المخطط؛ فبمجرد تفريغ محتوى الصهريج تقوم الجرافات بردم المنطقة التي تَمَّ سكب الموادّ السائلة المخلوطة بالمياه فيها؛ وبالرغم من الردم تتبقى آثار سطحية لمادة بيضاء صلبة. وبسؤالي لسائق الشاحنة؛ ذكر أنَّه قام بجلب تلك الموادّ من شركة (.... للكيماويات)؛ الغريب أن سائق الشاحنة لا يحمل إقامة نظاميَّة؛ بل صورة من إقامة منتهية تشير إلى أن مهنته (سائق خاص)؛ كما أن بعض العاملين في ردم المخطط هم من العمالة المخالفة أيضًا. موقع الشركة؛ ومنطقة الردم؛ تابعان لبلدية الجبيل؛ التي لم تستطع إدارة نفايات المنازل بكفاءة؛ فكيف تستطيع إدارة النفايات الكيماوية أو اكتشافها؛ إن ثبت ذلك!. أصبحت بعض الشركات تصرّ على التواجد في محيط الجبيل البلد هربًا من أنظمة الهيئة الملكية الصارمة المحقِّقة لحماية البيئة وصحة الإِنسان. ما حدث في الجبيل يفتح ملف «النفايات السامة» التي يُعتقد أنَّها تطمر في أراضي الجبيل من قبل العمالة الوافدة والمخالفة؛ بعد تسلّمها من الشركات الصورية التي تعالج جزءًا من النفايات وتتخلص من الجزء الأكبر بطمره في الرمال. الأمر تجاوز حدود بلدية الجبيل وأمانة الدمام؛ وبات من مسؤولية وزارة الشؤون البلدية والقروية؛ فإهمال البلدية سيسفر عن كارثة بيئية تضرب المياه؛ والإِنسان؛ والتربة والغطاء النباتي. كما أنَّه من صميم مسؤوليات «الرئاسة العامَّة للأرصاد وحماية البيئة». فهل نرى تحرُّكًا سريعًا منهما؟. كل ما ذكرته تَمَّ توثيقه بالصور؛ والمواقع المذكورة ثابتة المعالم على أرض الواقع. ونكمل الأسبوع القادم بإذن الله. [email protected]