الحمد لله مُدَبِّر الليالي والأيام، ومصرِّفِ الشُّهُور والأعوام، المتفرِّدِ بالعظمةِ والبقاءِ والدوام، المتنزِّه عن النقائصِ ومشابهةِ الأنام، يرى ما في داخلِ العروقِ وبواطنِ العِظام، ويسمعُ خفيَّ الصوتِ ولطيفِ الكلام، إلهٌ رحيمٌ كثيرُ الإنعام، وربٌّ قديرٌ شديدُ الانتقام، قَدَّرَ الأمورَ فأَجْرَاها على أحسنِ نظام، وشَرَعَ الشرائعَ فأَحْكَمَهَا أَيَّما إحكام، وبحكْمَتِهِ ورحمتِهِ تتعاقبُ الليالي والأيام، نحمده أن هدانا للإسلام، وَمَنَّ علينا بإدراك شهر الصيام والقيام، ونشكره وقد تأذن بالزيادة لأهل الشكران، فله الحمد والشكر على بلوغ الآمال وسبوغ الإنعام، ونسأله أن يَمُنَّ علينا بالقبول والإتمام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه لا تحيط به العقول ولا تدركه الأوهام، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ من صلَّى وزكَّى وحَجَّ وصام، نبيٌّ بعثه الله رحمة للأنام، وداعيًا إلى الجنة دار السلام، دارٌ ليس فيها ما يشينها، دارٌ لا يفنى منها ما يزينها، دارٌ لا يزول عزُّها وتمكينها، دارٌ أشرقت حُلاها، دارٌ جَلَّ مَنْ بناها، دارٌ طابَ للأبرار سُكناها، دارٌ تبلغ النفوسُ فيها مُناها، دارٌ أين خاطبوها فقد وصفناها، سكانها قد أَمِنوا مما يخافون، وتحقق لهم ما يرجون، هواؤها النسيم، ماؤها التسنيم، يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين، ويتمتعون بالنظرِ إلى وجهِهِ الكريمِ كُلَّ حين، دعواهم فيها سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، صاحب اللواءِ المعقود، والمقامِ المحمود، والحوضِ المورود، نبيٌّ جعله الله عبدًا شكورا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرا. إخواني: اعلموا أن إدراكَ شهر رمضان نعمةٌ عظيمةٌ لمن وفقه الله تعالى للقيام بالأعمال الصالحة فيه، وتلافى التفريط ما أمكن تلافيه، فَهِمَّةُ الصالحين فيه الصيام والقيام وتلاوة القرآن، والكَفُّ عن فضول الكلام، والاشتغال بذكر المَلِك العلَّام، فسبحان من اختار من عباده أقوامًا للطاعات وفتح لهم أبوابها، ووفقهم للخيرات وسهَّل لهم أسبابها. فلله جلّ وعلا نفحات يصيب بها من يشاء من عباده بفضله ورحمته، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّبَ بها إلى مولاه بما فيها من الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعدُ بها سعادةً يأمَنُ بها من النار وما فيها من اللفحات. فيا سعادةَ من قُبِلَت منه في شهره الأعمال، ويا شقاوةَ من فَرَّط في صيامه بالإهمال، فبلوغ رمضان نعمة عظيمة لمن بلغه وقام بحقه، بالرجوع إلى ربه من معصيته إلى طاعته، ومن الغفلة عنه إلى ذكره، ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه. إخواني: اتقوا الله تعالى، واذكروه ذكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بكرة وأصيلا، فذكر الله تعالى من أكبر العَوْن على طاعته، أعانني الله وإياكم على ذكره وعلى شكره وعلى حسن عبادته. واعلموا أن عشركم هذه هي العشر الأخيرة، وفيها الخيرات والأجور الكثيرة، تكمل فيها الفضائل، وتتم فيها المفاخر، ويَطَّلع على عباده العزيز القادر، وينيلهم الثواب الجزيل والحظ الوافر، فيها تزكو الأعمال، وتُنال الآمال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشْرُ؛ شدَّ مئزرهُ، وأحيا ليلهُ، وأيقظ أهله. وقال صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، وذلك كُلَّ ليلة» [أخرجه البخاري ومسلم]. فاجتهدوا رحمكم الله في هذه الليالي المباركة، وأكثروا فيها من الأعمال الصالحة وداوموا عليها، واعلموا أن هذه الليلةَ أولُ ليالي العشرِ المباركة، تفتح فيها أبواب الرحمة للتائبين، ويُبسطُ فيها الفضلُ والإحسانُ للراغبين، فاغتنموها بما يقربكم إلى مولاكم، وأدُّوا ما افتَرَضَ الله عليكم، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فأيُّ لذةٍ ونعيمٍ في الدنيا أطيبُ من سرورِ القلب، وسلامةِ الصدر، ومحبةِ الله تبارك وتعالى؟! نسأل الله جل وعلا أن يجعل قلوبنا سليمة نقية، وأعمالنا خالصة، وأحوالنا صالحة، ومآلنا إلى جنة عالية، فالكَيِّسُ من دانَ نفسه وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجِزُ من أَتْبَعَ نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، فاليومَ عَمَلٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عَمَل. قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (99 - 100) سورة المؤمنون. اللهم يا من لا تشتبه عليه اللغات، ولا تختلف عليه الأصوات، ولا يتبرَّمُ من إلحاح ذوي الحاجات، اجعل مآلنا إلى الجنات، اللهم اجعلنا ممن يدرك ليلة القدر ويقومها إيمانًا واحتسابًا، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وكَفِّر عنا سيئاتنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم أعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار، واجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج - بوكالة الجامعة لشئون المعاهد العلمية- بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية [email protected]