في ظلال الحياة الدنيا عبرنا جسر الحياة مستظلين بأفيائها وأجوائها وهجيرها ومعاناتها، ولن يبقى من ذلك العبور سوى رصيد الأعمال الصالحة خلال سنوات العمر الذي عاشها الإنسان في الحياة، والذكرى المعطرة بأريج التعامل النبيل، تحتضنه خفقات الوجدان وهتاف الدعاء كل حين، ذلك ما تهتف به أشرعة الوجدان وأطياف الذاكرة في حضور الإنسان الحاضر الغائب الأمير سطام بن عبد العزيز الذي كان يعيش معنا في مثل هذه الأيام من العام الماضي تيّاراً متدفّقاً بالفعاليات المبهجة لسكان مدينة الرياض التي كان من أهمّها: أولاً: نقل المصانع الواقعة جنوب منطقة الرياض إلى خارج نطاق المدينة لتأثيرها على الحياة الطبيعية والصحية والحيوية لسكان أحياء منطقة جنوبالرياض، وحسم معاناة السكان من أضرارها على حياتهم، وحبذا لو تم تنفيذ تلك القرارات الإيجابية بانسيابية ومرونة وسرعة لتحقيق أهدافها لخدمة المصلحة العامة المفضلة على المصلحة الخاصة. ثانياً: تطوير أحياء جنوب مدينة الرياض، ورفع معاناتها، وقد تبرّع الأمير سطام رحمه الله بهديّة قيمه لسكان أحياء جنوبالرياض تتمثل في مساحة كبيرة تقارب نصف مليون متر مربّع لنقل [مقر حراج بن قاسم] إليها، وقد استبشر سكان تلك الأحياء بهذه المنحة التي ستسهم في تطوير المنطقة وتخفيف الزحام على وسط مدينة الرياض الذي يقع فيه الحراج الآن، ولما سيفتحه هذا المشروع من فعاليات استثمارية وحيويّة تنعكس على المنطقة وسكانها بالجدوى والإيجابية، وهذه اللفتة الكريمة من الأمير سطام تعدُّ من الأعمال الخيريّة الهادفة التي لا يمكن أن ينساها سكان مدينة الرياض لتضاف إلى المواقف النبيلة والمشروعات الخيرية المثمرة لو تمّت المبادرة إلى تنفيذها بمرونة وفعالية تضمن قطف ثمارها، والإفادة منها دون تعقيدات روتينية مملّة بطيئة، فليس مثل التراخي والتأجيل يقتل المشروعات الطموحة. ثالثاً: كثافة اهتمامه بدعم الأعمال الخيرية، والمبادرة إلى الموافقة على أيّ اقتراح فيه خيرٌ وبر ومصلحة خاصة أو عامّة، فلا أذكر أنني قدّمت، أو قدّم آخرون له اقتراحاً إلاّ وبادر بالموافقة عليه والتوجيه باحتضانه وتنفيذه، وقد لحظت اهتمامه بإنجاز وقف والدته على أرضها بحي المربّع حيث وجّه بإنشاء مبنى من عدد من الشقق ينفق ريعه في الأعمال الخيريّة، ووجّه بسرعة إنجاز [جامع والدة الأمير ماجد بن عبد العزيز] بطريق الحاير الذي يضمّ سكناً للإمام والمؤذن ومكتبة ومرافق أخرى، وأوقافاً لخدمة هذا الجامع الكبير بالإضافة إلى اهتمامه بجوامع ومساجد أخرى دون إعلان عن ذلك التوجّه الخيري النبيل لأن الأعمال الخيرية تتحدّث عن نفسها وتنعكس بالإيجابية والأجر على صاحبها بإذن الله [وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان] ولا ننسى إعلانه التبرع بأعضائه بعد وفاته وكان ذلك عام 2009م حيث وقع على [بطاقة التبرع] ليكون قدوة في المبادرة والإيثار. ذكرى الشعر في حضرة الأمير سطام: بعد أن عُيّن الأمير سطام بن عبد العزيز أميراً لمنطقة الرياض آخر عام 1432ه كانت جراح الحزن وأشجانه ومعاناته تؤرّق وجدانه ووجدان كلّ محبّ لوفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- فلم أستطع التعبير عن ابتهاجي بتعيينه، وإنما اكتفيتُ بتهنئته، وبعد أن هدأت هواجس الحزن والفراق نسجت قصيدة بعنوان [العيدُ: سطام ] قلت فيها: العيدُ ينسجُ فرحةً، ونشيدا في غمرة الأحزان كان عَزاؤُنَا قد كنتَ أقربَ في المشاعر زُلْفةً ولكَ المحبّةُ تستفيضُ تجدُّداً بُوْركْتَ في الأمل المضمَّخ بالسَّنا وتدفُّقٌ من راحتيْك تعانقا ضدَّان: فيك تجمَّعا، وتلطَّفا من كان يصدح بالضّنى غير الذي عبِّرْ -فديتُكَ- ليس مثلك سيِّدٌ ويفلُّ كيدَ الحاقدين ترقُّباً هو حَسْبُنا، وملاذُنا، ووكيلُنا حتّى تعفَّ، وترتضي بعَطائه شكراً لك اللهمَّ أفضلَ منّةٍ ليظلَّ فينا الخير أمةَ أحمدٍ سَطَّامُ أشرَقَ في الإمارة عيْدا أن نلتقيكَ بشائراً ، ووُرودا والآن أقرب في الحفاوة جُودا واليوم نبضُكَ يستفيضُ حُشودا وبدعْوةٍ من والديكَ سُجودا والسُّحب حتى أمطرتْ لتجودا حتى انتشى حزمُ العدالة عُودا عانى الضّنى في كاهليه عُقودا إلاّ ويُغدقُ في الوفاءِ صُعودا لسخاءِ من وهب الوجود وجودَا من فضله يؤتي الخليقةَ جُودا وعْداً أتاه نبيَّنا ليسودَا تستأهل التّسبيح والتّحميدا نزدادُ ما ازْداد العطاءُ سُجودا وبعد رحلته الأخيرة للعلاج تأثّرت الهواجس وأعماق الوجدان بمعاناته التي شعرْت بها إثر مهاتفته مرّات للاطمئنان عليه فانهمرت عبرات الشعر معبّرة عن شطرٍ من أصداء المعاناة: تقول أبياتٌ منها : قلقٌ عليكَ، ودمعةٌ تنسابُ والشوقُ منك، عليك، بي سكّابُ أتريدُ بُرهاناً، فتلك مشاعري وقصائدي، وجريدةٌ، وكتابُ وهواتفٌ، وهواجسٌ، ورسائلٌ وسحائبٌ لم يُخْفهنَّ ضبابُ ما أنت إلا القلبُ يخفقُ نبضُهُ فتوتَّرُ الأشجانُ، والأنخابُ تتلعثمُ الأوتارُ عن معزوفةٍ بقدومكم، طربتْ لها الأحبابُ لكنّه الحسُّ الذي لا ينتهي في زحمة الوقت الثمين -يُصابُ جمع الإلهُ لكم قلوبَ محبّةٍ في حضرة الوجدان لا ترتابُ ولكنّ القلق والتوجس استمرَّ نزيفهما مع معاناة آلام المرض وتراكماته حتى حان وقت الفجيعة والفراق الحزين يوم الأربعاء الثالث من ربيع الآخر عام 1434ه في مدينة الرياض. وبعد الوداع العلقميِّ المستحوذ على المشاعر تلعثمت أسراب البوح عن التعبير مرتبكة تتعثّر أشجانها متسائلةً [سطّام كيف أودّعك؟] سطام: كيف أودعك؟ ورفاق عمرك ودعوا ودعت مكة راحلاً لله.. أي مشاعر ومحبة تهفو لمن تمضي، ويحزن كلّ من يأسو جراحي هاتف ينساب فيض هواجسي حّمال صبر في الضنى يصغي لصوتك مجهشاً نفس تعودت العلى وجوارح تواّقة بك من أبيك سجية همم تعودت السخا وجبلة.. عنوانها سكنت جراحك خشعة ربحت تجارتك التي تبكيك عاصمة الذرى فاهنأ برحمة راحم والروح، والذكرى معك؟ ومليكنا إذ شيعك لتعود تحضن مضجعك هطلتْ، تمازج مدمعك عبر الحياة، وودعك ألفتْ رؤاه تطلعك يروي صداه تواضعك متشوفاً أن يسمعك تخفي عليه مواجعك فيهاب أن لا يقنعك تأبى تطيق تضعضعك ألق الرضى، ما أشجعك وشهامة، ما أروعك!! أحرى بها أن ترفعك قمم السنا ،لن تخدعك لله، إذ قد أخشعك أودعتها، ما ضيعك وبمكة.. تبكي معك لمعاده.. قد أرجعك نعم: إلى مكّة المكرمة التي انطلقت منها رحلته الأخيرة للعلاج بعد حضور اجتماع أمراء المناطق بمكة منتصف شهر رمضان المبارك عام 1433ه، فآثر أن يعود إليها، وأن يدفن جوار أعزّ أحبته والدته العزيزة الفاضلة وإخوانه الأمراء الأعزّاء الأفاضل مشاري ونايف وماجد وعبد المجيد أبناء عبد العزيز الذي ودّعهم جميعاً وشيّعهم وباشر دفنهم في [مقبرة العدل بمكة] ومعه إخوانه وأبناؤه وأبناؤهم ومحبوهم بعد الصلاة عليهم في المسجد الحرام، وصار مثواه إلى جوارهم -غفر الله لهم- ودّعتَ مكّة راحلاً لتعود، تحضنُ مضجَعكْ. يا لها من ذكريات حزينة، لكنّها ستظلُّ شاهداً على عشق الخير واستمرار الحبّ والوفاء، محفورة في خلايا الذاكرة وأعماق الوجدان. [email protected]