ألغت مصر تدريس اللغة الفرنسية كمادة إجبارية في المرحلة الإعدادية، فتذكرتُ كيف هبطت علينا كارثة إلغاء دراسة اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية هنا في المملكة في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي عندما أقدمت وزارة المعارف - في ذلك الزمان - على إلغاء مادة اللغة الفرنسية قبيل أداء الاختبارات السنوية! كان رد الفعل الأولي لمعظم الطلاب - حينها - هو الفرحة الغامرة، فإلغاء مادة كان بعض الطلاب يعتبرها صعبة ومعقدة هو بمثابة هدية لا تُقدر بثمن وخاصة عندما يتم الإعلان عن تلك «الهدية» قبيل موسم الاختبارات مما يزيح عن كاهل العديد من الطلاب كابوس وشبح احتمال «الرسوب» وإعادة المادة أو السنة الدراسية بكاملها. بعد انتهاء الاختبارات والتخرج من المدرسة والجامعة وبعد أن «ذهبت السكرة وجاءت الفكرة» وبعد أن عرفنا الطريق إلى دول كثيرة ناطقة باللغة الفرنسية وقرأنا عن كتب رائعة صادرة باللغة الفرنسية وليست متاحة باللغة العربية أصابتنا الحسرة والندامة وتمنينا لو أن اللغة الفرنسية بقيت ضمن المواد التي أجبرتنا وزارة المعارف على دراستها. عندما تم إلغاء اللغة الفرنسية من مدارسنا قيل - وقتها - أن الهدف عدم تشتيت ذهن الطالب بين اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية. لكن التجربة أثبتت أن إلغاء اللغة الفرنسية من المقرر الدراسي لم يؤدِ إلى تقوية الطلاب في اللغة الإنجليزية. بل إن الطلاب في ذلك الزمان كانوا يجيدون اللغة الإنجليزية أفضل من طلاب الوقت الحاضر لأن الذين كانوا يقومون بتدريس اللغة الفرنسية كانوا معلمين يتحدثون الإنجليزية بوصفها اللغة الأم لهم، وكانوا من جنسيات عديدة بريطانية وإيرلندية وأسكتلندية، كما أن المنهج عموماً بما في ذلك الكتاب المدرسي والنشاط الصفي واللاصفي كلها كانت تكرس الفهم المعمق للغة والتدرب على نطقها والتعبير بها حديثاً وكتابةً. بعد ذلك جمعتنا ظروف العمل بأشخاص يتحدثون أربع لغات وأكثر ولم يتبين لنا أن أذهانهم كانت مشتتة بين تلك اللغات! ولعل بعضنا يتذكر أو قرأ عن المبعوث الدولي السويدي جونار يارنج الذي كانت أنشطته وجولاته تأتي على رأس نشرات الأخبار في فترة ما بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967، فقد قيل أنه يتحدث اثنتي عشرة لغة! وكان الكاتب المصري أنيس منصور يتحدث عدة لغات منها الإيطالية والألمانية والفرنسية والإنجليزية. ومؤخراً تم انتخاب رجل يتحدث أربع لغات رئيساً لإيران وهو السيد حسن روحاني. معلمو اللغة الفرنسية في مصر أعلنوا احتجاجهم على قرار وزير التربية والتعليم بإلغاء مادة اللغة الفرنسية وتظاهروا أمام مكتبه، ربما لأن ذلك يهدد لقمة عيشهم. لكن الأهم من تهديد مصالح فئة اجتماعية أو مهنية معينة هو أنه سوف يحرم أجيالاً كثيرة من تَعَلُّم اللغة الفرنسية والدخول في رحاب ثقافتها وعالمها، وهي لغة يتحدث ويكتب بها ملايين الناس في جميع أنحاء العالم. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض