يعد قطاع المعارض من أكثر القطاعات الاقتصادية ازدهاراً في العالم؛ غير أنه أحد أبرز القطاعات الاقتصادية المثيرة للجدل على المستوى المحلي، نظراً للاتهامات المتبادلة حول تعطيل تفعيل القطاع بين عدد كبير من الجهات ذات العلاقة. «الجزيرة» حاورت الأستاذ أسامة كردي عضو مجلس الشورى السابق وصاحب شركة (علاقات) أحد أهم شركات تنظيم المعارض في المملكة للتعرف على حقيقة القطاع وأهميته. أهميتها في إستراتيجية الاقتصاد - ما أهمية قطاع المعارض من وجهة نظرك؟ - أحد أبرز وأهم الإستراتيجيات الاقتصادية في المملكة، هو تنويع مصادر الدخل بتوسيع القاعدة الاقتصادية من خلال تنمية الصادرات غير النفطية، وبالتالي المفترض أن يتم التعامل مع القطاع من هذا المنطلق، لأنه يضمن تشغيل مجموعة كبيرة من الخدمات، مثل خدمات مراكز المعارض وخدمات الطيران وخدمات النقل وخدمات السياحة والفنادق وخدمات الأعمال والتجهيزات للمعارض. إذن هناك خدمات كثيرة منطوية تحت القطاع وتفعل بتفعيله. إضافة إلى أن القطاع يرفع حجم الحركة والتبادل التجاري الداخلي والخارجي سواء في السلع أو الخدمات أو مجموعة القطاعات الأخرى. وبنظرة بسيطة في مقارنة وضع القطاع مع دول العالم نجد أنهم يقدمون اهتماماً واضحاً وكبيراً بهذا القطاع في مختلف الدول من اليابان مروراً بالشرق الأوسط ثم أوربا وخصوصاً ألمانيا وفرنسا وصولاً إلى أمريكا. والاهتمام بالقطاع يتضمن اهتماماً في مختلف الجوانب من بنية تحتية، تسهيل الاجراءات والبيروقراطيات المتعلقة بتنظيم المعارض، تسهيل الزيارة والمشاركة فيها. وأشكال أخرى من الدعم، بل إن عديداً من الدول ليست ذات دخل مرتفع تقدم دعماً مادياً للشركات التي تشارك في هذه المعارض، وتسهيلات أخرى متعددة تصل إلى حد العمل بإجراءات استثنائية لخدمة القطاع. ومن هنا يتضح دور المعارض الكبير في تنمية الصادرات غير النفطية، وهذا جزء رئيسيومهم من الإستراتيجية والسياسة الاقتصادية في المملكة. وفي الوضع الحالي لا أستطيع أن أقول إن القطاع متكامل في المملكة وواسع، بالعكس أنا أعتقد أنه على الرغم من وجود عدد كبير من الشركات التي تنظم المعارض الاحترافية وقيامها بمجموعة من المعارض ذات القيمة المضافة للاقتصاد السعودي إلا أنه لازالت إسهام هذا القطاع في الناتج القومي منخفضة. وبعيداً عن القيمة الاقتصادية المباشرة يعد القطاع همزة وصل مهمة بين المنتج والمستهلك سواء كان المنتج محلياً أو أجنبياً، أو كان المستهلك محلياً أو أجنبياً بحيث يؤدي تعرف المنتج بوضع السوق ومتطلبات المستهلك، وأفضل أسلوب لخدمة المستهلك. كما يؤدي إلى تثقيف المستهلك عن المنتجات المتوفرة والخدمات المتاحة وأسعارها ونوعياتها ومقارنتها بالمنتجات أو الخدمات الشبيهة. وبالتالي نصل إلى حماية المستهلك والتحكم في ارتفاع الأسعار ورفع مستوى التنافس. فإذن أهمية القطاع كبيرة جداً غير أن الاهتمام الحكومي بها لا يتناسب مع أهميتها. الناتج القومي والمسؤولية الاجتماعية - ما الإجراءات المطلوبة من القطاع الخاص لتفعيل دور القطاع الاقتصادي؟ - الواقع الحالي يقول إن هناك مجموعة كبيرة من الشركات التي تعمل بشكل احترافي وتنظم عدداً من المعارض الاحترافية، ولكن إسهامها في الناتج القومي ما زال منخفضاً. ولهذا فإن على هذه الشركات معالجة القطاعات المختلفة واختيار قطاعات المعارض التي تؤدي إلى أهداف رفع الإسهام في الناتج القومي وخدمة المستهلك ورفع مستوى التنافسية، عوضاً عن التركيز على قطاعات معينة في المعارض، بمعنى أنه ليس في مصلحة شركة ما تنظيم 20 معرضاً في السنة في قطاعات مختلفة، الشركات العالمية تتخصص بمعارض معينة بحيث تتعرف على القطاع وعلى اللاعبين الرئيسيين فيه وما هي الخدمات التي يحتاجها هذا القطاع. لأن تنوع المعارض غير المدروس التي تنظمها الشركات تؤدي إلى تشتت تركيزها وخبراتها، ولهذا فإن التخصص حسنة مطلوبة لتطوير القطاع. إضافة إلى ذلك يجب ألا تهمل شركات تنظيم المعارض تنمية وتطوير مقدراتها وخبراتها الداخلية، وألا تنسى هذه الشركات إلى أن هناك هدفاً آخر غير الربح لها وهو المسؤولية الاجتماعية التي هي بشكل أو بآخر تهم كل الشركات. ولذا فأنا أعتقد أن القطاع الخاص هو اللاعب الرئيسيوصاحب الدور الأهم في تنمية القطاع بجانب الدعم الحكومي «الإجرائي» والذي أحمل بعض الشركات المحلية مسؤولية تقاعس الدعم الحكومي للقطاع. - ما الدور الحكومي المفروض لتنمية القطاع؟ - نظراً لأهمية القطاع فإن الدور الحكومي في دعمه طويل ومتشعب، فالجهات الحكومية المعنية بتنمية القطاع متعددة سواء التي لها علاقة مباشرة به أو غير مباشرة، فمثلاً وزارة التجارة والهيئة العامة للاستثمار لاعبان رئيسيان في القطاع مهمتهما التأكد من توفر وجاهزية البنية التحتية النظامية والخدمية، والتأكد من أن الإجراءات الإدارية المرتبطة بهذا القطاع في حدها الأدنى وميسرة لأبعد الحدود، والواقع خلال 10 أعوام يشهد بعض التطورات المتعلقة في بعض المسائل. ولكن لازالت الحاجة قائمة لتسهيل الإجراءات الإدارية المرتبطة بتسجيل الشركات وإصدار التصريحات، والتي هي من مهام وزارة التجارة. لكن هناك توجه لتعزيز دور هيئة السياحة في هذا المجال. ثم يأتي دور وزارة الخارجية وخصوصاً فيما يتعلق بالتأشيرات، وأنا شخصياً لا أرى أن الشركات التي تنظم المعارض الاحترافية لا تمارس بتاتاً بيع التأشيرات. ولكن يجب ألا نخلط بين المعارض والمهرجانات والبازارات وما شابهها والمعارض المخصصة للصناعات الوطنية، وأخيراً معارض المنتجات السعودية في الخارج؛ لأنها قطاعات مختلفة وللأسف الشديد المجني عليه من بينها قطاع المعارض. وبالتالي أنا أدعو لتصنيف نشاطات القطاعات ومتطلبات كل نشاط بحسب الأهداف المطلوبة من هذا النشاط والتسهيلات التي يحتاجها هذا النشاط. فالذي يعتقد أن إقامة بازار في موقع عام هو جزء من نشاط المعارض، فإنه يضيف للقطاع ما ليس منه، وبالتالي قد تمارس بعض الشركات بيع التأشيرات لكنها بالتأكيد ليست الشركات الاحترافية العاملة في المعارض. لأنها أذكى من أن ترتكب هذه المخالفة الصريحة التي عقوبتها وضررها أكبر كثيراً من أي ربح يمكن جنيه من المخالفة. ثم نأتي لدور الجمارك وعلاقته بالقطاع، وفي الواقع أن الجمارك أفضل الجهات التي نعمل معها كشركات تنظيم معارض. نأتي لمعارض المنتجات السعودية في الخارج وهي بدورها لها وضع خاص كونها تهتم بشكل مباشر بتنمية الصادرات، ولذلك فإن نشاط معارض المنتجات السعودية في الخارج أو المشاركة في معارض من هذا النوع عن طريق جناح للمملكة مسألة في غاية الأهمية، وأعتقد أن وزارة التجارة بحاجة زيادة تمويل هذه المعارض وزيادة المشاركة فيها، وأن تقيم الوزارة بدورها معارض خاصة خارج المملكة. هذا الجزء من المعارض بحاجة لدعم مالي مباشر من وزارة المالية، لأنه تمثيل دولي رسمي يحقق هدف تنمية الصادرات. وحتى الدول الأقلخلاً تمول مشاركة مصانعها وشركاتها ومنتجاتها في معارض خارجية. سواء بتمويل تكاليف السفر والإقامة أو بالتكفل بتكلفة إيجارات الأجنحة وتجهيزها أو بكل ذلك. المعوقات - كل الجهات الحكومية تفيد أنها تؤدي الدعم الإجرائي المطلوب منها على أكمل وجه؛ إذن أين يتعرقل قطاع المعارض وتطويره؟ - هناك متطلبات إدارية متعددة، وهناك حاجة إلى تخفيض هذه الإجراءات ليس فقط لأجل موضوع المعارض، وإنما لأن هذا القطاع يحيي وينمي قطاعات مختلفة، ويجب أن يكون الإيمان بدور القطاع الاقتصادي في توسيع القاعدة الاقتصادية وتنمية مصادر الدخل كبيراً. بحيث تقوم كل القطاعات الحكومية المعنية بالتعاون مع العاملين في القطاع لتحقيق الإستراتيجية الاقتصادية منه. ولعلي أقترح على وزارة التجارة وهيئة السياحة إعداد «إستراتيجية تنمية القطاع» بحيث تساهم الجهات الحكومية كافة في تنفيذها واعتمادها بتفاصيلها وخططها الزمنية. وفي وجود هذه الإستراتيجية الوطنية ستجد الدوائر الحكومية نفسها ملزمة بتنفيذ هذه الإستراتيجية بعد أن تكون جزءاً من إعدادها. إسهام الغرف التجارية - كيف يمكن للغرف التجارية الإسهام في تنمية وتفعيل القطاع؟ - دور الغرف التجارية أن تكون ممثلاً للقطاع الخاص أمام الجهات الحكومية والجهات الدولية بشكل عام. وفيما يخص القطاع فمعظم مراكز المعارض مملوكة بدرجة كبيرة للغرف التجارية، هناك استثناءات، ولكن مثلاً غرفة تجارة الرياضوجدة تملكان مراكز معارض، بينما في الشرقية يملكها القطاع الخاص، وهذا هو الأسلوب الأصح. لكن في حالة امتلاك مركز المعارض لجهة حكومية أو شبه حكومية بما فيها الغرف التجارية؛ فيجب أن تدار هذه المعارض وفق الأهداف التي تهدف إليها هذه المؤسسات، والغرف التجارية أساساً لا تهدف إلى الربح في نشأتها، إذ إن نظامها يقول إنها هيئات خاصة لتقديم خدمات عامة، وهذا يعني أنها لا تهدف إلى الربح، ثم إن الأموال التي أقيم فيها مركز معارض الرياض هي أموال الغرفة، ومن حسن إدارة هذه الموارد أقيم هذا المركز. وبالتالي يجب ألا يكون الهدف منه التربح، بمعنى أن يراعى تأجيره بالتكاليف الفعلية للبناء والتشغيل. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة قدرت هذا الأمر عندما وافق صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أن تتبرع الحكومة لغرفة الرياض بالأرض التي أقيم عليها المركز. ومن الواضح أن الدولة كانت تفكر بأن هذه أحد أساليب تنمية القطاع. - إنشاء مركز المعارض من أموال التصديقات واحتياطات الغرفة يعني أنه القطاع الوحيد الذي استفاد من احتياطات الغرفة والتي يجب أن تفيد مختلف القطاعات التجارية والصناعية.. فما رأيك؟ - يجب أن تستخدم احتياطات الغرفة في دعم القطاعات على اختلافها، والمهم أن يقرر لأي قطاع الأولوية بالرعاية في المراحل التي يمر بها الاقتصاد السعودي. فمثلاً قطاع التدريب كان له الأولوية في فترة معينة وتم تقديم الكثير من التسهيلات لهذا القطاع، ثم انتقلت الأولوية إلى قطاع المعارض، ولا مانع أن ينتقل الدعم إلى قطاع آخر يحتاج الدعم. لكن حالياً قطاع المعارض بحاجة للدعم، فإذا قارنا أسعار التأجير في مراكز المعارض في المملكة ونقارنها بمراكز المعارض في الدول المحيطة وفي الشرق الأوسط سنجد أن سعر التأجير في المملكة مرتفع بالمقارنة مع مراكز أقدم وأكثر خبرة وتقدم خدمات أكثر. - ما دور اللجنة الوطنية لشركات المعارض التابعة لمجلس الغرف في تنمية القطاع؟ - اللجنة الوطنية هي عبارة عن تجمع لشركات المعارض، وأنا أعتقد أن أحد أهم الأدوار التي يجب أن تقوم بها هذه اللجنة بعيد عما تقوم به حالياً، والدور الذي أقترحه والمفترض أن تقوم به هذه اللجنة ليس فقط أن تنقل طموحات وتطلعات القطاع إلى الجهات الحكومية. لكن الأهم أن تنشر ثقافة المشاركة في المعارض بين شركات ومؤسسات ومصانع القطاع الخاص في المملكة. باعتبار أن هذه الثقافة يجب أن تكون متأصلة لاعتبارها جزءاً رئيسياً في تنمية القطاع. إضافة إلى توجيه النظر إلى أن هذه المعارض ليست منافسة للقطاع الخاص السعودي ونشاطاته، وإنما فرصة له لتسويق منتجاته أو خدماته، وفرصة للتعرف على المستهلك واللقاء به والتعرف على مرئياته، كما أن لقاء المنافسين يتيح المقارنة والتعرف على التطورات الفنية والتقنية والإدارية الموجودة في المجال. إذن مهمة اللجنة الوطنية أن تلفت نظر التجار السعوديين على هذه الجزئيات. القطاع الخاص وثقافة المعارض - هل تعتقد أن ثقافة المعارض لا زالت مغيبة عن القطاع الخاص السعودي ولا زالت ثقافتهم به تصنفها على أنها مصروف وفرصة للبيع؟ - لا أعتقد أن القطاع الخاص السعودي ينظر إلى المعارض كمصروف، بل ينظر إليها نظرة علمية واقعية باعتبار ما تقوم به هذه المعارض من دور مهم في تنمية أعمال القطاع الخاص. لكن هذا لا يعني أن تركن اللجنة الوطنية إلى هذا الأمر؛ يجب أن تتواصل وتستمر في التواصل حتى ينمو شعور الإقناع ويتصاعد بحيث تتبنى الشركات والمؤسسات المشاركة في المعارض كبند أساسي في ميزانياتها. أما فيما يخص البيع هذه الذهنية موجودة سواء في المعارض أو البازارات أو المهرجانات، ولكن أنا أعتقد أنه لا بأس خلال مراحل تطوير قطاع المعارض السماح بالبيع بحسب نوع القطاع المقيم للمعرض وبحسب حاجة الناس إليه. المسألة نسبية ويمكن دراستها؛ هناك معارض تستهدف المستهلك النهائي ونحتاج فيها للبيع. وبالتالي يجب أخذ هذه القرارات وفق حاجة المستهلك. - ما الذي يحتاجه قطاع المعارض؟ - بحاجة إلى رفع مستوى المنافسة؛ إضافة إلى أهمية أن تعتمد الجهات الحكومية على شركات تنظيم المعارض في تنظيم معارضها بدلاً عن الاعتماد على قدراتها الذاتية. بعض الأحيان تقوم الجهات الحكومية بتنظيم معارضها الخاصة دون الاعتماد على شركات تنظيم المعارض سوى في بعض المسائل اللوجستية. وبالتالي يجب أن تنشغل الجهات الحكومية بأعمالها الموكلة إليها أصلاً، وتترك تنظيم المعارض للشركات المتخصصة في المجال. لأن الوضع الحالي منافسة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص في تنظيم المعارض.