التحديث في مسميات وصلاحيات أجهزة الدولة يجب أن يكون قراراً حاضراً وباستمرار، وبخاصة حين يتزامن توقيته المناسب مع التطورات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية، على أن تكون منطلقات مثل هذا القرار تفعيلاً لدور ينبغي أن تلتزم به هذه الأجهزة؛ ليكون بذلك كل جهاز حكومي اسماً على مسمى، وأن يتم هذا التحوُّل بانسجام وتناغم مع ما هو مفترض أن يقوم به هذا الجهاز أو ذاك من خدمات ومسؤوليات. *** قرار تحويل الحرس الوطني من رئاسة إلى وزارة، سواء في توقيته أو أسبابه ومبرراته، إنما يرسخ مكانة الحرس الوطني، ويكرس دوره، ويجعله بمسماه الجديد في وضع يسمح له بالتطور والتوسع والتجديد في منظومة الأعمال المناطة به، خاصة أن الحرس الوطني على امتداد تاريخه قد وصل (عسكرياً) إلى المستوى الذي جعل منه قوة عسكرية ضارية، و(مدنياً) إلى مؤسسة حضارية تُعنَى بوعي الإنسان وفكره وثقافته ضمن إدارة سلسة ومرنة وواعية، أرسى قواعدها عبدالله بن عبدالعزيز. *** وهذا الأمر الملكي الذي بموجبه تحوَّل الحرس الوطني من رئاسة إلى وزارة سبقته أوامر ملكية كثيرة ومماثلة؛ فقد تحولت الهيئة العليا للإسكان إلى وزارة، ومثلها الخدمة المدنية، وقبلهما التخطيط الذي كان يسمى المجلس الأعلى للتخطيط ثم الهيئة المركزية للتخطيط، والبلديات التي كانت ضمن وكالات وزارة الداخلية، وغيرها كثير، أي أن تحويل رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة ليس حالة استثنائية، أو أنها غير مسبوقة، أو أن مثل الإجراء لن يتكرر؛ فالمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين تمر بمرحلة تطوُّر هائلة، وطفرة غير مسبوقة في التنمية، يقابلها توسُّع كبير بالأجهزة وعدد الوزارات، وزيادة فيمن يعمل في قطاعاتها من المواطنين؛ ومن الطبيعي أن يواجَه كل هذا بمثل هذا الأمر الملكي الكريم. *** وعلينا جميعاً أن نكون - نحن المواطنين - مهيَّئين لاستثمار مثل هذه القرارات الحكيمة في فَهم طبيعتها أولاً، ثم التفاعل معها ثانياً، ومن ثم الاطمئنان إلى أن المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين تسعى بحرص وجد واهتمام إلى بلوغ الأهداف التي رسمتها، والتي تخدم المواطنين، وهو ما يعني إعادة النظر من حين لآخر في كثير من مؤسسات الدولة، إما بالضم أو الفصل أو تغيير المسميات وتوسيع الصلاحيات، وإجراء ما ينبغي أن يكون عاملاً مساعداً في الوصول إلى النتائج التي نتوخاها جميعاً في ظل هذا النوع من القرارات المهمة. *** وعلينا أن نتذكر دائماً أن الاقتصاد الوطني كان ضمن وزارة المالية قبل ضمه لوزارة التخطيط، وأن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أصبحت وزارتين: وزارة للعمل وأخرى للشؤون الاجتماعية، وأن وزارة المياه ألغيت وضمت لوزارة الكهرباء باسم وزارة المياه والكهرباء، وكانت المياه تابعة لوزارة الزراعة قبل إنشاء وزارة المياه، كما ألحق تعليم البنات بوزارة التربية والتعليم التي كان اسمها وزارة المعارف بعد أن كانت رئاسة مستقلة، وكذلك الثقافة التي كانت تابعة لرعاية الشباب فقد ضمت لوزارة الإعلام، وعدل مسمى الوزارة ليكون وزارة الثقافة والإعلام، وتم إنشاء وزارة للاتصالات مع وجود هيئة للاتصالات، كما غيّر مسمى وزارة المواصلات إلى وزارة النقل، وخرج الطيران المدني من عباءة وزارة الدفاع والطيران ليكون هيئة مستقلة مع تغيير مسمى الوزارة لتكون وزارة الدفاع فقط وهكذا. *** وباختصار شديد، أريد أن أقول: إن أي تغيير أو تجديد في أجهزة الدولة، إنما تسبقه عادة دراسات يقوم بها استشاريون ومختصون، ضمن توجه القيادة في تطوير الأداء وتحسين المستوى واستيعاب التقنيات والكفاءات البشرية، وصولاً إلى بناء مؤسسات الدولة بمواصفات وقدرات جديدة وحديثة يمكنها من القيام بأدوار فاعلة في أداء ما هو موكول لها من مسؤوليات. *** وعلينا أن ننتظر وأن نتوقع مثل هذه القرارات الآن ومستقبلاً، فلا أحد يتصور أن تتطور أجهزة الدولة بينما تستمر بالثبات على ما هو قائم، في ظل الخوف أو التهيب أو التشكيك من أي تجديد أو تغيير أو تعديل في هذه الأجهزة، فالعالم من حولنا في حالة مراجعة دائمة لأوضاعه، بهدف تنشيط الأداء وتحسين بيئة العمل، والخروج بأقل الخسائر وأكثر الأرباح في كل عمل يتم تخطيطه على الورق وتنفيذه على الأرض، فلنكن في هذا العهد الزاهر جزءاً من هذا العالم الحي وضمن منظومة الدول الأكثر تطوراً.