ارتبط اسم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في أذهان أبناء الشعب السعودي بمعاني الأصالة والوفاء والثبات على المبادئ التي قامت عليها المملكة العربية السعودية وكانت أساساً لمشروعيتها وعنواناً لمشروعها الذي قدمته للعالم باقتدار ومثل الخصوصية السعودية، وهو مصطلح كان سمو الأمير سلمان من أبرز الذين أطلقوه وأصلوه ودافعوا عنه. ولئن كان بعض الكتاب والمثقفين السعوديين خصوصاً، والعرب عموماً، لم يقتنعوا فيما سبق بالخصوصية السعودية وسعوا إلى إنكارها، بل والزعم أنها قضية لا حقيقة لها، إلا أن الأحداث العاصفة الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية قد أكدت صحة هذه النظرية، فبينما تعاني كثير من الدول العربية من موجات عاتية من الاحتجاجات والاضطرابات المصحوبة بقدر كبير من الأحقاد والعداوات والثارات بين شرائح واسعة من مواطنيها وبين أنظمة الحكم فيها، فإن المملكة العربية السعودية تعيش استقراراً تاماً وتناغماً فريداً وتبادلاً نادراً للود والاحترام والتعاون بين الشعب وقيادته، على الرغم من الدعوات المحمومة التي يطلقها البعض أحياناً عابرة للحدود داعية إلى الفوضى والاحتجاج وبث الأراجيف والشائعات، لكنها لا تلبث أن تتحول إلى استفتاء مباشر على مشروعية البناء المتين الذي قامت عليه الدولة السعودية والرباط الوثيق الذي يجمع قادتها وشعبها. لست أشك في أهمية هذه الخصوصية السعودية التي بدأت قبل أكثر من مائتين وخمسة وسبعين عاماً بالاتفاق التاريخي الشهير بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب وتضمن إقامة دولة على أساس العقيدة السلفية السنيّة الوسطية قوامها تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفق فهم السلف الصالح والدعوة إلى نشر هذا المبدأ والدفاع عنه، مروراً بخدمة الحرمين وحمايتهما وتيسير سبل الوصول إليهما، وهي خصوصية سعودية لا يمكن إنكارها والقفز عليها، بدليل استمرارها عبر الأطوار الثلاثة التي مرت بها الدولة السعودية وظهرت واضحة في الدولة السعودية الحديثة التي أسسها الملك الصالح عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - وخلفه من بعده أبناؤه الملوك البررة في رعاية هذه الأسس العقدية والمنطلقات الدينية التي قامت عليه دولتهم العصرية المحافظة على الإسلام مرجعية فكرية وأساساً للمشروعية ونظاماً للحكم، وهو أمر تتفرد به الدولة السعودية الحديثة وينص عليه نظامها الأساسي للحكم، ويشكل لب الخصوصية السعودية التي لم تعن يوماً الانغلاق على الذات ورفض النافع المفيد من المعطيات الحضارية والعلاقات الإنسانية مع المسلمين وغير المسلمين. تداعت هذه المعاني إلى ذهني وأنا أقرأ بإعجاب كبير مضمون حديث سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز في ليلة مكية متألقة التقى فيها سموه بأعيان ووجهاء مكةالمكرمة في منزل الأستاذ عبد الرحمن فقيه، لقد شعرت بالاعتزاز الكبير وأنا أقرأ تأكيد سمو الأمير سلمان على الأساس المتين الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية، إذ يقول حفظه الله: «عزنا وحاضرنا ومستقبلنا في العقيدة الإسلامية، هذه الدولة قامت على العقيدة الإسلامية، الدولة الأولى والثانية والثالثة وحدّها الملك عبد العزيز وقلت وأنا أعنيها الدولة قامت على العقيدة»، ثم ازدادت سعادتي لما تضمنته كلمات سموه المسددة من وضوح في الرؤية وأصالة في المنهج وتأكيد على الثوابت في وفاءٍ عظيم لماضٍ تليد واستشراف دقيق لمستقبل مشرق تجلى ذلك في قول سموه حفظه الله: «لمّا جاء بوش للرياض وفي زيارته للمتحف قلت له تقوم الدول على أساس معين وهذه الدولة قامت على العقيدة والذي يريد أن يزيح هذه الدولة يزيح العقيدة الإسلامية»، وهي رسالة واضحة ذات مضامين لا تخفى، أراد سمو الأمير سلمان إيصالها إلى زعيم أقوى دولة في العالم في وقت يتنازل فيه بعض من ينسبون إلى العلم الشرعي والدعوة الإسلامية عن شيء من ثوابتهم حين يتحدثون مع زعماء دول الشرق والغرب خدمة لأهداف حزبية ضيقة أو طمعاً في تحقيق مكاسب مرحلية لجماعات سياسية تتوق إلى السلطة ولو على حساب المبادئ. ومع ثقتي التامة بأن الله عز وجل قد دفع عن هذه البلاد وأهلها شروراً كثيرة وحماها من مكائد ومخططات متوالية تريد بها وبهم الشر والتفرق والاضطراب بفضله سبحانه ثم بفضل تمسكها بعقيدتها الدينية وأساسها المتين الذي قامت عليه، إلا أن ثمة تساؤلين مشروعين يتعلقان بالمستقبل، أضعهما بين يدي أمير الأصالة والوفاء سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز وكلّي ثقة أن سموه الكريم خير من يملك الإجابة الشافية عنهما: التساؤل الأول: خلاصته أن الشعب السعودي على ثقة تامة بوعي قيادته خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبد العزيز - حفظهما الله - بأهمية المحافظة على الأسس الفكرية التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، وأن ذلك هو أساس بقاء الدولة وصمام الأمان، وقد استمعوا إلى ذلك منهم -حفظهم الله- في مناسبات كثيرة بحمد الله، ولكنهم يريدون الاطمئنان إلى وعي الجيل الجديد من أبناء الأسرة الحاكمة بأهمية هذه الأسس ولا سيما مع كثرة المتغيرات وشدة التقلبات التي يشهدها العالم من حولنا، لأن مسؤولية هذا الجيل الجديد من أبناء الأسرة الحاكمة ستكون كبيرة جداً في مستقبل البلاد وضمان بقائها موحدة متماسكة آمنه لتواصل رسالتها الدينية والحضارية، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي عرف ببعد نظره وشدة حرصه على مستقبل المملكة العربية السعودية خير من يمكن أن يتبنى هذه القضية ويطمئن الشعب السعودي على مدى وعي الجيل الجديد بها، وبذلك يتم سحب البساط من تحت أقدام ناشري الشائعات الذين يتصيدون بعض الكلمات أو التصريحات فيفسرونها بالتخلي عن المبادئ الدينية العقدية التي قامت عليها هذه البلاد. أمّا التساؤل الثاني: فيدور حول المشروع الذي تحمله المملكة العربية السعودية للعالم، وهو ما اصطلح البعض على تسميته بالدعوة السلفية، وحقيقته الدعوة إلى رسالة الإسلام الوسطية النقّية، إذ لا حظ الجميع الانحسار الكبير في زخم هذا المشروع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) مما أدى إلى تقدّم مذاهب فكرية وجماعات حزبية لملء هذا الفراغ والتأثير على قطاع كبير من المسلمين وغيرهم ومحاولة تغيير نظرتهم لرسالة المملكة العربية السعودية ودورها، بل والتأثير الفكري والمذهبي، وامتد الأمر حين طال الغياب السعودي بوصولهم إلى تخوم خليجنا بالتدخل الفكري والمذهبي وأحياناً بما هو أكثر من ذلك، طمعاً في نقل المواجهة الى ساحتنا الداخلية بعد أن تراجع الدور السعودي في الخارج. وفي رأيي أنه قد آن الأوان بعد مرور ما يزيد عن عشر سنوات للعودة القوية إلى مشروعنا الحضاري لنشر رسالة المملكة العربية السعودية الوسطية في أرجاء العالم، وقد قيل قديماً خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وهو مبدأ نجح الملك فيصل رحمه الله في تطبيقه بإحياء فكرة التضامن الإسلامي في وجه المد القومي الناصري الكاسح في الستينات، ونحج الملك فهد - رحمه الله - في تطبيقه بالتوسع في إنشاء المراكز الإسلامية وعقد الملتقيات الدينية في عواصم العالم المختلفة في أعقاب الانقسام العربي والإسلامي الذي حصل بعد احتلال صدام حسين للكويت، ونجح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - في تطبيقه بإعلان مبادرته العالمية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وأخيراً: فإننا نغبط في هذه المملكة على ما حبانا الله به من تعاون وتآلف ورغبة في الخير والنجاح بين القيادة والشعب، ولعل ذلك يكون من عاجل بشرى المؤمنين، سائلاً الله تعالى أن يجعل لقادتنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - حظّاً وافراً ونصيباً كبيراً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم}. - الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي