لقد اختير رحمه الله من بين من اختيروا بعناية للتدريس في المعهد العلمي بالرياض الذي أنشئ لخدمة العلم وإعداد العلماء في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- رحمه الله- وبإشراف سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في حينه- رحمه الله-، وكان قدري أن أكون أحد طلاب الشيخ صالح في ذلك المعهد، وكان نعم الأستاذ الناصح الأمين نسأل الله أن يجزل مثوبته ويعظم أجره ويرفع درجته في الصالحين، وحينما صدرت مجلة الدعوة الإسلامية التي أسسها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كان الشيخ صالح الحصين أحد كتابها المعتبرين، وكانت كلماته محل احتفاء من قبل قراء المجلة المذكورة في مراحلها الأولى، وكان الشيخ صالح العلي الناصر رحمه الله أحد مدرسينا في فترة من الفترات في الفقه، وكان يشهد للشيخ صالح الحصين على مسمع من الطلاب بغزارة علمه وفضله ويقول: إن الشيخ صالح الحصين بحد ذاته مكتبة متنقلة - ومن فضل الله على الشيخ الحصين أن تفقه أولاً في شريعة الإسلام وامتلأ علماً ثم تفقه ثانية في القوانين والأنظمة، وكان من النادر أن يوجد في وقت مبكر من يجمع بين فقه الشريعة الإسلامية وفقه القانون ويكون متمكناً أيضاً من اللغة العربية في نحوها وصرفها وبيانها وعلاوة على ذلك يجيد لغتين اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، وكانت نظرته رحمه الله إلى اللغة الأجنبية حكيمة ومعقولة ومتوازنة لا يجيز بحال أن تكون بديلاً عن اللغة العربية بحال من الأحوال وإنما يكون استعمالها وتعلمها محكوما بالحاجة لا يتعدى حكم الضرورة عند الاقتضاء، ومعلوم أن الحاجة تقدر بقدرها، لقد وظف الشيخ صالح الحصين رحمه الله علمه وفكره ولسانه وثقافته بحذافيرهالخدمة دينه وأمته ووطنه وكان جهده المبارك واضحاً كل الوضوح من خلال مشاركته الفعالة في صياغة الأنظمة واللوائح والتعليمات التي رأت الدولة في حينه البدء بها لأهميتها، وكانت الحاجة ملحة لوضع أنظمة جديدة تلبي حاجات أجهزة الدولة وتتمشى مع مقتضيات التطور المطرد، وهناك حاجة لإعادة النظر في أنظمة موجودة متقادمة لم تعد ملاقية لمتطلبات تطور بعض الأجهزة العاملة في ظلها، وقد نجحت المملكة في تلك الخطوات ونجت من تعارض الانظمة مع الشريعة الإسلامية التي رضيت الأمة أن تتحاكم إليها وتُحكمها، وتم وضع أنظمة متميزة وافية بالغرض محكومة بالشريعة وليست حاكمة على الشريعة، وسارت الأمور على أحسن حالأذهلت العالم الذين كانوا يتوقعون أن تقع المملكة فيما وقعت فيه دول أخرى إسلامية وعربية حينما تصادمت قوانين تلك الدول مع أحكام شريعة الإسلام وانتهى الأمر بتعطيل القضاء الإسلامي وحل محله القانون الوضعي. لقد أصبحت المملكة نموذجاً يحتذى في القدرة على تحكيم الشريعة وتحقيق متطلبات النهضة والتقدم لقد كان الذين تعلموا القانون في الدول الإسلامية والعربية ينقصهم العلم بفقه الشريعة الإسلامية وعلماء الشريعة لديهم ينقصهم العلم بالقوانين فكان الجهل من قبل البعض بالشريعة الإسلامية والبعض الآخر يجهل القانون قد نتج عنه ضرر بليغ ومدمر، لهذا كان فقيدنا الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين نعم كان فارس الميدان بلا منازع في تلك الأوقات العصيبة ومعه ثلة من المختصين في الشريعة وثلة من المختصين في القانون ويلتقون جميعهم في الإخلاص وحسن النية، وكان الشيخ صالح الحصين القاسم المشترك بين الفريقين كان قدر الأمة أن تنجو سفينتها بسلام، لا شك والحال كما ذكر وأعظم مما ذكر أن الرسالة التي أداها الشيخ صالح الحصين قد جاءت في وقتها المناسب. حيث كان بدرايته وإلمامه بالأمرين معاً فعالاً ومؤثراً وكان ناجحاً ومقنعاً وقد كان في هذا المقام عظيم النفع لأمته ديناً ودنيا، وكان له مواقف أخرى وجهود معلومة تقع في الصميم من أهداف الأمة ومنجزاتها ولحسن الحظ أن ولاة الأمركانوا حريصين كل الحرص على الحفاظ على مقدرات الأمة عقيدة وشريعة وحضارة وعمراناً وما كان لهذا النجاح الباهر أن يتحقق لولا لطف الله ثم حصافة ولاة الأمر وعلماء الأمة وعقلاؤها، فالحمد لله أولاً وأخيراً. وختاماً نقول: إن لفقيد الأمة الغالي معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين ميزة لا تنسى كشفت عنها سيرته في حياته الخاصة والعامة هذه الميزة والمزية والجبلة هي جهاده لنفسه حتى حكمها ولم تحكمه. لقد جاهد نفسه في سبيل تحصيل العلم والتفوق فيه فانتصر. وجاهد نفسه في سبيل العلم بما علم فانتصر. وجاهد نفسه في سبيل الصبر وفي سبيل الزهد وفي سبيل الاحتساب وفي سبيل التواضع وفي سبيل الإخلاص والعدل فانتصر. نسأل الله العلي القدير أن يرحم الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين وأن يبارك في ذريته وأن يخلفه على المسلمين وأن يجزل أجره فيما علم وفيما عمل وأن يرفع درجته في جنات النعيم إنه سميع مجيب.