لا تكاد تجد أحدا من البشر خلا من الهم أو نجا من الحزن فتلك الأيام وهذه أخلاقها، وهناك للأسف من استرخص صحته وعبث بوقته عامداً؛ باحتراف استجلاب الهموم واستدعاء المنغصات، ولسان حاله يقول: إن كان عندك يا زمان بقية مما يهان بها الكرام فهاتها! فتجده قد حمّل نفسه عامدا أعباء تنوء بحملها العصبة! والعجيب في الأمر أن جملة من تلك الأعباء لا تستحق التفكير بها أو الحديث عنها فضلاً عن حملها بشكل دائم! أعباء وأحمال ليس لها حاجة وفوق هذا فهي تحول بيننا وبين تجلي الخير وتحري الصواب وتلمس النجاح والاستمتاع بالحياة! وعندما يتخفف الإنسان من أحماله ويتحرر من أعبائه فستغدو الحياة أجمل بكثير مما هي عليه الآن! إن من يحقد أو يحسد أو يضمر مشاعر (سلبية) تجاه أشخاص أو مواقف أوحتى أماكن وأشياء فإنما يربط نفسه برباط متين ويكبلها بقيد ثقيل؛ فعندما تكون في أقصى الجنوب من الكرة الأرضية وتكره شخصاً في أقصاها الشمالي فكأنك هنا قد اختصرت المسافة وعشت معه في سجن ضيق وتتصارع معه في مكان واحد! وعندما يزعجك موقف واحد حدث لك في مكان بعيد وانتهى ولكنك تبقيه في ذاكرتك محتلاً وعيك فكأنك هنا تكرره مرات! هل تأملت في حقيقة الأمر؟ الأمر لايحتاج إلى إعمال عقل ولا إلى كثير ذكاء! أنت من سيتضرر من الأمر وأنت من سيشعر بوطأة المعاناة وأنت من ستكويه حرارة المشاعر ومعها ستشعر بالتآكل في داخلك! وتلك الأفكار لن تؤذي مشاعرك فحسب، بل سيأتي الدور على جسدك وربما كانت الخاتمة قرح مؤذية أو ضغط منهك أو مرض قلب معطل! إن قوة (التحرر) أو التخلص لا تعني المسامحة - وهي لا شك خيار أفضل - ولكنها تعني التناسي لا أكثر! فلست أطالبك بالمسامحة والتبرير أو أن تشغل نفسك ب(كيف ولماذا) أو البحث عن مبررات لهذا التحرر! فقط تناسَ! إن مهارة (التحرر) ستجنبك الصراعات الداخلية والجدل مع النفس، وتجاوزاً للدافع الإنساني فتلك المهارة التي أحثك عليها ذات منطلق (برغماتي) نفعي بحت! وخير ما يعينك على إتقانها أن تعلم علم اليقين أن العمل بها شيء لمصلحتك الشخصية فلن تنعم بالصحة والسعادة بدونها! فأنت عندما تحرر نفسك وتتخلص من المشاعر السلبية ستشعر بالسلام الداخلي والراحة والسكينة! اعقد العزم على أن تلقي من على أكتاف قلبك أي شخص لاتحبه أو عدو يكيد لك أو في موقف آلمك أو مكان يزعجك! إن (التحرر) ممن نحب هو أحد أهم أنواع التحرر فالحب الجارف يستحيل لتعلق ضاغط وهوس يدفعنا للتسلط والسيطرة باسم (الحب) وهذا سلوك ذو آثار مدمرة؛ حيث نحاصر من نحب حصاراً عاطفياً ينهكهم ويقلل من فرص نموهم وليكن شعارنا مع من نحب: (نحن نحبكم ولكن حياتكم ملك لكم). تحرر من أي علاقة تحاصرك فيستقيم أن تحب وتحترم الآخرين، وفي نفس الوقت تكون مستعدا لتقبل الحال لو أجبرت على الاستغناء عنهم لأي ظرف! ومن الأشياء التي يجب التحرر منها؛ التحرر المادي فالنفس متطلعة والأرواح لا تشبع والمفقودات لا تنتهي والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع والبشر كل البشر لديهم (نزعة) نحو تملك ما لا يملكون ولو كانوا في غير حاجة لها، وكذلك لديهم نزعة سيئة في الاحتفاظ بكل شيء حتى وإن كان لا يشكل أي أهمية بالنسبة لهم! جرب وتخلص مما لا تحتاج إليه ستجد طاقة إيجابية تغشى روحك وما حياتك إلا طاقة فاعتن بها! و(التحرر) مادياً كان أو ذهنياً يجعل الحياة أجمل ويحفزك على إبداع أكثر فكل ما تتخلص من أمر سلبي سيحل مكانه شيء آخر إيجابي ونافع لذا لا تقلق ولا تجزع إذا ما أحسست بشيء من الخواء عندما تتحرر من المواقف والأفكار والأشياء فتلك المساحة الخالية مؤشر على أن ثمة خيرا في طريقه إليك! ومضة قلم: عّود نفسك على التجاهل فليس كل أمر يستحق وقوفك! [email protected]