المسجد في عهد سلفنا الصالح كان ملاذًا لهم، إذا ضاقت بهم الهموم واشتبكت الغموم أتوه وانطرحوا بين يدي ربهم، فتنفرج لهم الدنيا. منارة هدى ومعهد تعليم ومدرسة تربية، لكَم تعلم فيه الجاهل، واتّعظ فيه الغافل، واسترشد فيه الضال، واهتدى فيه المنحرف.. لذلك احتل المسجد مرتبةً مميزة في أفئدة المسلمين، تزكو به نفوسُهم، وتطمئن قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم، وتصفو أذهانُهم، يجتمعون فيه بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، خاشعة متذللةٍ للخالق الديان.. ولقد أسهمت بيوت الله (المساجد والجوامع) من خلال البرامج الدعوية التي تنفذ فيها على مدار عقود من الزمن في معالجة الكثير من القضايا الدينية والاجتماعية سواء من خلال المحاضرات والكلمات الوعظية التي تعقب فروض الصلوات الخمس، أو من خلال منبر الجمعة الذي يلتقي فيه المسلمون للاستماع لخطبة الجمعة وأداء الصلاة.. ولقد كان هذه البرامج دور مهم في تسليط الضوء على كثير من قضايا المسلم أياً كان نوعها وفي الآونة الأخيرة حرص الدعاة وطلبة العلم والأئمة والخطباء على استثمار هذه المنابر لمعالجة قضايا الانحراف الفكري والعقدي الذي بدأ يظهر نتيجة أسباب كثيرة لعل من أبرزها عدم الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام وأحكامه، عدد من أصحاب الفضيلة تحدثوا عن ذلك، فماذا قالوا: بناء العلاقات - بداية.. يؤكد د. سليمان بن صالح الغصن أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن للمسجد أثر كبير في بناء العلاقات ومعالجة الانحرافات وهذا من حكم إيجاب إقامة صلاة الجماعة في المسجد خمس مرات في اليوم والليلة على الرجال، وعدد د الغصن أهم آثار المسجد في معالجة الانحرافات بما يلي: 1- يلتقي أهل الحي في المسجد فيكون لقاؤهم فرصة لتبادل وجهات النظر في كيفية معالجة ومواجهة ما يلحظونه من مظاهر سيئة في الحي. 2- من خلال اللقاء في المسجد يسهل على الشخص استشارة جيرانه فيما يلحظه أو يواجهه من إشكالات أو مظاهر سيئة. 3- يتدارس أهل المسجد أوضاع بعض الجيران والمساكن التي قد تكون بؤرة فساد أو مصدر إزعاج أو سبباً في استجلاب بعض الانحرافات والسلوكيات السيئة. 4- يظهر أثر المسجد في معالجة الانحرافات من خلال ما يلقى فيه من خطب ودروس ومحاضرات وكلمات ومسابقات تعالج بعض جوانب النقص وتحذر من المخاطر التي تهدد المجتمع. 5- من خلال ارتباط الجيران بالمسجد وتعويد أبنائهم على ارتياده من صغرهم وانخراطهم في حلقات التحفيظ والمناشط الأخرى يسهم ذلك في إبعادهم عن مخاطر الشر والانحراف. 6- للقائمين على المسجد أثر عظيم في جعل المسجد منبر توجيه لمرتاديه من خلال ما يوضع في لوحاته من فتاوى العلماء وكذلك ما يعلق فيها من صحف توجيهية ونحو ذلك. معالجة الانحرافات o ويشير المهندس عبدالعزيز بن عبدالله حنفي رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم «خيركم» بمحافظة جدة إلى أن للمسجد دور كبير في معالجة الانحرافات الفكرية والسلوكية، وذلك من خلال رسالة المسجد الشاملة والمتنوعة، لنشر القيم الإسلامية، وغرس الآداب والأخلاق الحميدة، وإبراز سمو الإنسان وكرامته، والحفاظ على وجوده وحياته، وتقويم سلوكه، وإشعاره بالأمن والطمأنينة، من خلال الأدوار المتعددة، والمجالات المختلفة التي يضطلع بها المسجدُ لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتوفير الطمأنينة النفسية والروحية، التي تخفف عن الناس أعباءَ الحياةِ وآلامها، وتكبح ُفيهم جموح الغرائز وشهواتها، وترسّخ أواصر المحبة، وروابط الألفة بين الأفراد، وبسط الأمن الوارف في ربوع المجتمع، ونشر الاستقرار والاطمئنان في أرجائه، وتوطيد قواعده، وتثبيت دعائمه، والمسجد هو المكان المهيأ والقادر على معالجة الانحراف الفكري؛ بنشر العقيدة ودفع الشبهات ومحاربة الأفكار الضالة والغلو والتطرف ونشر قيم الاعتدال والوسطية في المجتمع. كما يقوم المسجد بمعالجة الانحرافات السلوكية حيث يقوم بدور مهمٍ في التربية والدعوة، وإرشاد الناس وتوجيههم، وتقوية الوازع الديني من خلال خطب الجمعة والدروس والمحاضرات والبرامج المختلفة التي تقام فيه.. والوقاية من الانحرافات السلوكية من خلال حث أفراد المجتمع على تلمس حاجات الفقراء والمساكين في المجتمع، ومواساتهم وإعانتهم بالزكاة والصدقات لوقايتهم من ارتكاب الجريمة والاعتداء على حقوق وممتلكات الآخرين. الجمعة والجماعة ويضيف م. حنفي أن لصلاة وخطبة الجمعة أثر كبير و فاعل في توجيه الناس للزوم المنهج الحق، والاستقامة على شرع الله وأمره وصراطه المستقيم، وتقوية الوازع الديني، وإيقاظ الضمير، وتزكية النفس، وبيان محاسن الاستقامة، ومساوئ والانحرافات السلوكية والفكرية. وللخطيب أثر فاعل في توجيه الناس للزوم المنهج الحق، والاستقامة على شرع الله وأمره وصراطه المستقيم، وتقوية الوازع الديني، وإيقاظ الضمير، وتزكية النفس، وبيان محاسن الاستقامة، ومساوئ الانحراف،. ويمكن تشبيه المسجد بجهاز إنذار مبكر ينذر المجتمع بشرور وأخطار تهدد الأمن الفكري والعقائدي.. فالكثير من الخطباء والأئمة بحكم ارتباطهم القوي بحياة المجتمع يستطيعون الكشف مبكراً عن أي انحراف عقدي أو فكري. كما إن أداء الصلاة في المسجد مع الجماعة يعالج الانحرافات وذلك لأن الصلاة تحقق الراحة النفسية، والخلاص من الغموم والمكدرات، بأداء العبادة، والمواظبة على الطاعة، فتتلقى النفس جرعات إيمانية متوالية، تجعلها بعيدة عن الغفلة والانحراف فالصلاة ذات أثر مباشر في تقويم سلوك الأفراد، وهي وسيلة فاعلة للوقاية من الانحراف، وتربيه على مقاومة كل ما في نفسه من ضعف، والتغلب على ما يتجاذبها من شهوات، وما ينازعها من الشرور والمفسدات، وما تفكر به من عدوان، وعامل قوي للحماية من الجريمة، تنظم سلوك الفرد، وتجعله يسير وفق منهج الخالق وتشريعاته، وتصقله على الالتزام بهدي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. حلقات المساجد مشيراً إلى أن الحلقات القرآنية في المساجد تؤدي الدور الكبير في معالجة الانحراف الفكري والسلوكي لأن القرآن كلام الخالق عزّ وجلّ، فيه من الهدى والرشاد، والحكمة والسَّداد، والعبر والمواعظ، ما تلين له الصخور الصماء، وتتيقظ من سباتها القلوب العمياء، وفيه ترغيب في الفضائل، وترهيب من الرذائل والانحراف، فهي المحضن التربويُّ لغرس قيم الإسلام ومبادئه وآدابه تهيئ للنشء القدوة الحسنة، والتوجه السليم والتربية الإيمانيّة على يد أساتذة ومربّين من أهل القرآن الذينَ هم أهل الله تعالى وخاصّتهُ، وتهيّئ لهم الصحبة الصالحة، فلا تتسرّب إليهم المفاهيم والأفكار المنحرفة. ولقد أكدت دراسة ميدانية أنه كلما ارتفع مقدار حفظ القرآن الكريم؛ ارتفع مستوى الصحة النفسية. كما أثبتت دراسات أن الأحياء التي بها حلقات تحفيظ هي أكثر أمناً من غيرها. إن حلقات التحفيظ مصدر مهم للتربية الوقائية للناشئة منذ الصغر حيث يتم توجيه لسلوكهم نحو الخير، وحمايتهم من الانحراف حين يحفظون القرآن، ويقضون وقتهم في المفيد النافع مما يجعلهم يتجهون نحو السلوك السويّ المتفق مع قيم المجتمع ومبادئه المستمدة من منهج التربية الإسلامية من خلال تنشئتهم على حفظ القرآن الكريم. يعتبر المسجد مركزاً لنشر الوعي في المجتمع، ومكاناً لاجتماع المسلمين، ولم شملهم، وتوحيد صفهم. وهو بحق أفضل مكانٍ، وأطهر بقعةٍ، وأقدس محلِّ يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته، ليكون بإذن الله تعالى فرداً صالحاً في مجتمعٍ صالحٍ. بعيداً عن الانحرافات الفكرية والسلوكية.. ونتطلع أخيراً إلى تفعيل دور المسجد، كما كان في صدر الإسلام، خلية نحلٍ، محراب للعبادة ومدرسة للعلم يتم فيه قراءة القرآن الكريم، وتعليمه، وحلقات الوعظ والإرشاد، والقضاء وحل المشاكل بين الأسر والأفراد. المدرسة الإيمانية - ويشدد الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الناصر المدير العام لفرع وزارة الشئون الإسلامية بمنطقة مكةالمكرمة على وجوب أن تعود مساجدنا للعهد الأول ويجب أن يكون إمام المسجد وخطيب الجمعة فيها كما وصف نبينا الكريم (الصادق الأمين) فالحمد لله الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- وفرت الميزانيات الضخمة واهتمت ببناء المساجد في الداخل والخارج بالغ الاهتمام كونها الذي تؤدى فيها الصلوات الخمس التي هي عماد الدين والجمع وتلقى فيها المحاضرات والدروس العلمية والدورات الشرعية فقد كان صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة ويقول عليه الصلاة والسلام جعلت قرة عيني في الصلاة. لذلك أولت وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد اهتماماً كبيراً ببيوت الله من حيث التشييد والبناء وتعيين المنسوبين من الأئمة والمؤذنين والخدم وتوفير مؤسسات الصيانة والنظافة وحددت اختبارات للمتقدمين لوظائف الإمامة والأذان ويولي معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ اهتماماً شخصياً بتعيين الخطباء لأهمية الدور الذي يقومون به إضافة إلى تطوير أدائهم ورفع مستوياتهم بالدورات التدريبية والندوات الشهرية المتخصصة في تعزيز الوسطية والأمن الفكري وإقامة ورش العمل لتبادل الخبرات والمنافع والتي كان آخرها المسجد وخطبة الجمعة المسؤولية والمشاركة في بناء الإنسان والتي عقدت بمكةالمكرمة وحظيت برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل -حفظه الله- فكانت كلمته التي ألقها بصمة رائعة حملت كثيراً من التوجيهات التي تم تعميمها على أئمة الجوامع، ولذلك يجب أن يغرس كل إمام وخطيب في نفوس جماعة مسجده الشعور بالمسؤولية واحترام النظام، فإذا ما تحقق ذلك نشئ لدينا جيل واعٍ بغده حريص على وطنه ومقدراته وممتلكاته. وانتهى فضيلته إلى القول: إن الخطيب مسؤوليته عظيمة بمخاطبته لجميع العقول وجميع فئات المجتمع فعليه اختيار الأسلوب الأمثل والمناسب فيما يقول ويحرص بتزويد جماعة مسجده بالعلم النافع والمفيد لخدمة دينهم ووطنهم وأمتهم وليحرص على إيصال المنهج الواضح لسماحة الدين والمعلومة المفيدة لنجني جميعاً ثمار ما يبذره.