(مهداة إلى الكاتبة المبدعة ليلى إبراهيم الأحيدب لعدة أسباب!) لم أكنْ أظنّ أنّ ما تبديه من تسامح هو حقيقي بالمرّة، كنت أحسب أنها مثل بعض من قابلتهم لزمن يسير، حين صار انقطاعهم عني يطول، كنت أسأل عنهم من تَيَسّر. ولكنني حين قرّرت قول الحقيقة لها (متذرعا) بأنها (لابُدّ) أنها فهمتني منذ زمان. خذها مني نصيحة لوجه الله ألا تظن أن كل القصص تجري هكذا، لسببين هما: إنه ليس كل القصص تحدث هكذا! وأن أيّ لحظة تهذيب هي أنها فهمت أنك تهيم بها وأنها تتقبل هذا كونها تشبه حالتك. لم تستطع أن تُعَنّفني لمدى ما هو متسع قلبها ورحب.. واعتبرت أن صمتها هو من قبيل حيل نساء ألف ليلة وليلة. يُبدي ويُخفي !. وتخففت منها ببطء ولم أزل أشعر بها بشكل خاص. وعندما مرّ شهران كان طبيعياً أن تمرّ ثلاثة شهور، ولم يلهمني حتى شرودي ورؤياي أن ثمة فرقا بين أن تفتقد طائراً أخذك بحسنه وزغرودته المميّزة وأن تفتقد إنسانا تزعم أنه يشكّل جزءاً هاماً منك. بل إنه لا لمقارنة هذه بتلك بسبب أن ثمة شكوكا في قدراتك العقلية. عندما يمضي الإنسان وقتاً كافياً داخل السجن فإن رؤيته للسجن تصير أقل رعبا وأقلّ تشاؤما وهذا كان دليلي على أنك لا تكترثين بي ولا تثقين بي على الإطلاق. ولكن المرض الذي أحرق معظم جسدي هو أنني لا أستطيع تصديق هلاوسي المتعلقة بأنك تتآمرين عليّ مع طرف ثالث وربما مع أكثر لتودعوني (مؤسسة العناية بالمسنين).. وكنت لا أستطيع الأكل ولا النوم ولا أكفّ عن هزّ قدمي بشكل آلي.. اليوم استيقظت هذا اليوم وأنا أعيش حالاً من الرضا والمشاعر المحايدة تجاه من كانوا يُجعلونني أخرج من طوْْري.. كثيرون هم؛ لا تظني أنهم قليلون فمعهم من شهود الزور مالا عين رأت ولا أذن سمعت. ولاحظت أنني أدندن أغنية فقطعت دندنتي و كأنني أخبئ شيئا من الممنوعات الكثيرة في مدينتنا. فهل يكفي كل ذلك للعفو عني بصفتي حزيناً وإنساناً.. أيضاً؟.. إن القصة بدأت يوم رأيت الجانب الأيمن وجهك.. خلسة رأيتك تعطسين وتمسحين بمنديل رقيق وتلفتين وترينني.. قبل شهور وكنت في نفس حالتي تذكرت أننا تراسلنا بلغة خالصة من أثر أي لغة. بدأت أنا كالعادة. ولم أكن قرأت ردّك طار مني. كنت أريد أن نواكب الزمن فنجتمع عبر رسائلنا ولنكن معا كما يشاء الزمن الإفتراضي.. تذكرين قصة (ليلة العرس)؟.. وردّ طاغور عليها قائلاً: -الله !. كم أنتظر الليلة هذه بمنتهى الشغف-. ومرّة خرجت إلى السوق لأحاول أن أتنفس مزيداً من الأوكسيجين.. أبهجني كثرة السائرين على أقدامهم. وفي المستوصف الذي هو من تاريخي الشخصي دخلت وقطعت إستدعاء الدكتورة منى وانتظرت فإذا هاهي على السلم وتؤشر بيدها أن أدخل العيادة. سرحت الآن.. لم تعودي وحيدة في هذه البرهة من ْالزمن.. إذْ رميت معطفك وقلت حاذري من أن تحرقه المدفأة، وعندما تركتك مبتعدة عني قلت لا بدّ أنها حسمت الأمر. كم هي مزعجة -حسمت الأمر- ولكنّ بديلاتها لا يطعن هذا الدور.. تتنفسين لاهثة. وتشيرين إلى ما هو موقع أو مكان للخروج من تداخلات الذاكرة.. وفي العاشرة كان وجهك متورما وأنفك كان مبللاً بطريقة تبللك المعتادة. لم يكن عادياً أن تطلبي مني أن أطلب العفو منك.. لماذا؟؛ لم يجب سوى دفتر عتيق كنا نتكاتبه مفصلّين ألعابنا. والمئذنة التي كان شخيرك المموسق يفعل بها ما تفعل الناس بأصابعهم.. لكنه مميز وشاعري وفيه دفء يجعل جدرانه مثل اللزجة إثر مطر.. وبالنسبة إلى الزمن أضطر للقول إنه حال الحلم وحدي. عندما كتبت على أحد الجدران عبارة (كم أنني أزعجك). قال لي ولد سمين يلبس ثوباً أخضر (ياهوووه ياواد.. ياحركات)!. التفت إليك وكنت تغطين في النوم. ورأيت قميصك منكشفا على عضدك إلى الإبط الذي حدقت فيه فرأيت فيه ما يجعلني أكرر نهدات الشغوف. مرّت وكان قوامها متوسطا وكانت نحيفة وكانت منقبة، ومع ذلك مساء الخير أستاذ. أنا نهروان، كيف حالك؟، وكيف حال الجماعة ؟!. وإذْ بدأت الأمسية الشعرية وأطفىء الضوء المهرجاني كانت عيناك الحادتان وشديدتا السواد. ودار بيننا الحديث عنا وعن مصيرنا!. وكنت واقفة وكنت جالساً على الكرسي الجيد ولم يكن بوسعي أن أدعوك للجلوس. لكنك منحتني التفكير بك باعتبارك مرجعية عليا.. وأولا وأولاد أولاده وثانياً الشعب يشكو من نوبة هلع وعلاجها قرص ALBLOSAM 2MG مرتين كل يوم. على الفراش القطني الفاخر ألقي قصيدة من أجلك. وتمرّ الأعوام. تمرّ بطريقة مقصودة بحيث ينسى أول إنسان أن الثعابين والسحرة والخيوط التي تفتل باليد وما أصعبها من عملية.. تذكرت (مباركة في النساء: الصبية، راحت توّدي العشا لأبيها، وجازت حدود الخيام.....) فأكاد أبكي من لذة الشعر. أنت وكما يبدو لي لا تتركين وقتا جيدا للقراءة. واقشعرّ بدني لحظة عرفت أن تقاليدهم تمنع إزالة أيّ منطقة للشَّعْر وتعتبر المخالف منفياً. كان إبطها مدحوّا بتكوين بديع لظلال الضوء وعلاقة السواد والبياض.. التفتت إلى الأمكنة التي يظنونها تكملة لشعورهم بالتفوق. ثم رأيت المختبئ في مقام البيات وكان كما توقعت يتخذ شكل الشريط. وهو جاءني يوما وقال (إتصل علينا لما تكون في غرفة وقل لنا رقم الغرفة لكي نزورك! هه). المرة الأولى لم تبكر كما كانت تتوقع ومشينا لأربعين ميلاً قلت لها لقد طالت الفترة فقالت ما مفاده إنك لو كنت عندي لقمت بتدريبك. ارتعش القلم ثم انحنى لحظة لامس أمكنة مبللة. ومن ثم قال له صاحبه انصرف إلى لعب الورق ودعني أمارس اليوجا. صدرها تفضل نسيانه فهما كما تقول مقلدة دلال الطفل صغيران بالمرّة.. وجاءت ببياضها الأوربي المتطرف. وأخفت شيئاً بجيبها أشغلني. إياك أن تبالغ في حك المكنة لأن فيها ماء منهمراً قبل اللقاء. وقالت البنت التي أعطتني الحقنة ضاحكة ضحكة لها مكانها السري وتأخرت ورائي وحين التفت ابحث عنها كانت ورائي تشوح بيديها وتقول إنها -اللحظة- مستعدة أن أتواشج معك وتضحك وتقف مشيرة للغرفة التي كنا بها. وليلى في الليل تتلو حالة الشغف دون تردد. لكن دون مناسبة أيضا.. اسمعي أيتها المكلفة تقييدي أنا لا أطلب أحداً نقوداً. ولكن كثيرين في بلدنا يعتبرون هذا وصمة عار وهو تاريخهم الفكري. وهي كانت وكانت وكانت. وتمسك ليلى بالقلم الأحمر وتخط خطاً طويلاً ومتعرجاً وتتوقف أحيانا ترفع رأسها نحوي وتبتسم بلهفة غير خافية. لم تزرني في المعتقل العادي بالنسبة للناس فهو عبارة عن داين بلا أبواب. وعذرتها وكان عليّ فعل العكس. وبكل صراحة ووضوح ودون أن أملأ المكان كلاماً كانوا يقولون عني وهم يحاولون إبعادي من المرجعية التي شكلتها أمي وأبي. ولن أرضى ولا باسم أي مجموعة ولابدّ لي من رجل يتفهم قضيتي قال له الشاعر المقيد إلى الجدار إنه يعرف يا عمي. ويقول لي رح كي تنام. إنني قليلة النوم وخفيفة النبهة، اليوم تحولت إلى رجل تكافئه الدولة على انضمامه للدولة وهذا مقياسهم للذكاء والقدرة العقلية. نحن في السادسة صباحاً، يا إلهي كيف نبرر هذا؟.. قالت لها حماس (عادتك تتمرجلين علينا) قالت ببرود: أنا أستطيع أن أجعلكم تتدفقون واحداً إثر الآخر.. معي أسراركم وأنتم رأيتموني عارية.. ما علاقة هذا بوزارة الشباب؟. [email protected] حائل