منذ فجر الإسلام، لمعت المدينةالمنورة، منارة إيمان وتغيير، وحاضنة للنور والعلم، وناهضة بالفكر والثقافة الإنسانية.. وكأنما النبي الأعظم قد اختارها لهجرته سراً في سنوات رسالته الأولى، لتكون مركزاً لهداه، ووجهة لمن أرادوا تلمس آثار نبيهم الأولى، وصحابته الصادقين. وفي سياق اختيار المدينةالمنورة عاصمة للثقافة الإسلامية 2013 باعتبارها عاصمة دولة الإسلام الأولى ولمكانتها العظيمة في التاريخ الإسلامي ودورها الرائد والكبير في نشر الثقافة الإسلامية في مختلف أنحاء المعمورة. أكد عدد من كبار المسؤولين في الدول العربية والإسلامية عقب حضورهم حفل افتتاح هذه المناسبة أن النهضة الإسلامية والفكرية والعلمية في المدينةالمنورة شكلت علامة فارقة في التاريخ العربي الإٍسلامي مما كان له أكبر الأثر على العالم برمته. وأوضح فخامة الرئيس الأسبق لجمهورية السودان المشير عبدالرحمن سوار الذهب بهذه المناسبة أن المدينةالمنورة منذ أن شرفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي مركز الثقافة العلمية والإسلامية والعربية وذلك بوجود الدعوة الأولى التي قادها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن ثم استمرت عاصمة لكل الأعمال الخيرية والسياسية والاجتماعية والثقافية حتى عندما تم نقل العاصمة إلى الكوفة استمرت حلقات العلم ومجالس العلماء كلها تنطلق من المدينةالمنورة.. وقال ما نشهده اليوم هو إحياء لذلك العهد الذي بدأت فيه المدينةالمنورة مركزاً للإشعاع الرئيسي للنور الإسلامي المحمدي. وعبر فخامته عن سعادته الغامرة بأن تستعيد المدينةالمنورة مكانتها الثقافية والعلمية من خلال اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- الذي يؤكد مدى ما تتمتع به المملكة من طفرة علمية واسعة. وهنأ فخامة الرئيس السوداني الأسبق القائمين بهذا الأمر في المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- على المجهودات الضخمة التي يقومون بها, وقال إن الإسلام كما هو معروف يتعرض لهجمة شرسة من بعض دول العالم، كما جاء ذلك في بعض الصحف الغربية وهذه فرصة لتنبعث من جديد حملات الإعلام المنصفة للإسلام من المدينةالمنورة لتظهر حقائق الإسلام وتدحض تلك الشائعات المغرضة التي لا هم لها إلا ترويج الأكاذيب على الإسلام والمسلمين داعياً الله تعالى أن يوفق القائمين بهذا الأمر لتنطلق هذه الحملة الطيبة لتعيد للإسلام مكانته ومفاهيمه الصحيحة بين دول العالم. وعد وزير الأوقاف السابق بجمهورية مصر العربية الدكتور محمد علي محجوب اختيار المدينةالمنورة عاصمة للثقافة الإسلامية بوصفها منبع الحضارات ومصدرها ليس على مستوى العالم الإسلامي والعربي بل على مستوى العالم كله.. وقال: إن المدينةالمنورة انطلقت منها أول وثيقة عالمية لحقوق الإنسان حتى قبل أن يعرف العالم ما يسمى بالإعلان العالمي لحقوق الإسلام الذي صاغ الحريات، حيث إن أول من وضع وثيقة حقوق الإنسانية الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصاغها ووقعها من هنا من المدينةالمنورة, حين كان العالم كله في الغرب والشرق يعيش في الظلام والجهالة والتعصب وكانت هذه الوثيقة نموذجاً للإخاء الإنساني وهي المعروفة بصيغة المدينة بين فيها ما بين المسلين وغير المسلمين وجعل العالم كله في بوتقة واحدة ووضع أسس العلاقة بين المسلم وغير المسلم. ونبه الدكتور محجوب إلى أن المدينةالمنورة مصدر لحقوق الإنسان وقبلة العالم الإسلامي كله ولذلك ليس غريباً أن تعتبر هي العاصمة الثقافية ليس للعالم الإسلامي وإنما العاصمة العالمية الثقافية والفكرية العادلة والمستنيرة للعالم أجمع.. وأبان أن وثيقة حقوق الإنسان العادلة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم صانت كرامة الإنسان في حرية اعتقاده وممارسة شعائره في فكره المستنير, مبيناً أن اختيار المدينة المنور عاصمة للثقافة الإسلامية مبعث فخر هذا للأمة الإسلامية وهو حق للمدينة المنورة وخاصة أن العالم احترم واعترف بفضلها وأعاد إليها مكانتها السامية كعاصمة ومنارة للثقافة العالمية وليس للثقافة الإسلامية وحدها. وقدم وزير الأوقاف المصري الشكر باسمه وباسم العالم الإسلامي كله للمملكة ولخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني حفظهم الله على ما يبذل من جهد كبير في خدمة الإسلام والمسلمين وعلى ما تعيشه المدينةالمنورة من تقدم هائل في كافة الأصعدة سواء الفكرية أو العمرانية.. وأردف بالقول: لا نملك إلا أن ندعو للقائمين على أمر المملكة الشقيقة بأن الله يوفقهم ويجعل هذا كله في ميزان حسناتهم لأن مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- اليوم أصبحت منارة عالمية توازي أكبر عواصم العالم حضارة ورقي ومدنية وعمرانية تبهر ويفخر كل من يزورها فهناك إنجازات رائعة تحسب للمملكة العربية السعودية الشقيقة ولقيادتها ويكفيها فخراً اهتمامها الكبير بكتاب الله القرآن الكريم الذي يطبع ويوزع على المسلمين في شتى بقاع الأرض, مختتماً بقوله كما انطلقت من المدينة الدعوة الدينية المستنيرة.. وأيضاً حافظت المملكة وقيادتها على كتاب الله الذي هو دستور هذه الأمة، ومؤكداً أن العالم الإسلامي يدعو للمملكة حين تقرأ شعوبه كتاب الله تعالى الذي يطبع في المدينةالمنورة ويوزع مجاناً على كافة بلاد المسلمين. من جانبه قال معالي وزير التعليم والعلوم السابق بتركيا الدكتور أنس كاريتش: إن اختيار المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية ليس بجديد عليها فهذه المدينة المباركة امتداد لتاريخ عظيم رسمته الرسالة المحمدية ومن خلالها عرف العالم الإسلام وسماحته, كما أن الله تعالى فضلها بعد مكةالمكرمة فجعلها مصدر الإشعاع والهدي الإلهي ومنبعاً لازدهار الثقافة الإسلامية في مختلف فروعها ومهوى لأفئدة المسلمين قاطبة من مختلف أقطار العالم وهي مناط العلماء والمؤرخين عبر العصور واختيارها عاصمة الثقافة الإسلامية هو حق لها دون أن يستشار في ذلك أحد فتاريخها يشهد على معالمها وهو فخر تستحقه المدينةالمنورة. وأعرب الدكتور كاريتش عن سروره بما شاهده ولمسه لحظة وصوله هذه الأراضي المقدسة من ترحيب وحسن استقبال في المطار والاهتمام والعناية بالضيوف منوهاً في سياق متصل بالتوسعة الكبيرة والعظيمة في المسجد النبوي الشريف والخدمات التي تقدم للزائر داخل وخارج المسجد وتوفيركل ما يحتاجه الزائر. وأضاف: «ليس بمستغرب هذا الاهتمام والتقدير وهذه الخدمات الجليلة التي توفرها حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين والنائب الثاني -حفظهم الله- وما يولونه من اهتمام وعناية فائقة بالحرمين الشريفين».. فيما أكد كبير المفتيين ومدير إدارة الإفتاء بدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري بحكومة دبي الدكتور أحمد عبدالعزيز الحداد أن المدينةالمنورة أجدر بأن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية ليس من الآن أو من هذا العام وإنما من قديم الزمان فهي أساس الثقافة الإسلامية وعاصمتها الأولى فلم يعرف الإسلام إلا عن طريق المدينةالمنورة التي شع منها نور الإسلام وتنزل فيها وحي الله وانبثق منها نور رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي خرج منها أصحابه صلى الله عليه وسلم إلى أصقاع الأرض برقاعها المختلفة من أجل أن ينشروا دين الله عز وجل الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم للعالمين بشيراً ونذيراً رحمة وهدى للعالمين. وزاد بالقول: إن المدينةالمنورة لابد أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية والأهم أن تكون في محل اهتمام المؤسسات العالمية والمسلمين أجمعين لمعرفتهم لهذه المدينة وفضلها ونورها وخيرها وبركتها وهذا يقتضي منهم أن يكون اهتمامهم بالمدينةالمنورة اهتماماً كبيراً بأن يجعلوها قبلتهم الأولى في الثقافة الإسلامية لأنهم لم يعرفوا الثقافة إلا من خلالها ويقتضي من المدينةالمنورة أن تقوم بواجبها أكثر فأكثر زيادة في التعريف ولاسيما في الآثار والحفاظ وبقاء الآثار وترميم من اندثر منها وتوثيق تلك الآثار التي هي آثار نبوية والمسلمين أجمعين. ورأى أن ذلك جانب من جوانب الحضارة الإسلامية وجانب من الثقافة الإسلامية بالإضافة إلى المعالم الأخرى التي ينبغي أن تكون حاضرة دائماً يعرفها المسلمون ويزورونها ويحافظون عليها لأنها من آثارهم الخالدة التي تذكرهم بمجد الإسلام ومآثر الإسلام العظام بالإضافة إلى الكتب التي ينبغي أن تكون حاضرة في الذاكرة الجماعية للمسلمين وخاصة أن الكتب التي عنيت بثقافةلمدينة وتاريخ وآثار المدينةالمنورة كثيرة جداً وينبغي العمل على إخراجها وإحيائها حتى يعلم الناس هذه الآثار ويستفيدون منها استفادة كبيرة. وأوصى الدكتور الحداد بإقامة الأنشطة المختلفة في هذه العاصمة الإسلامية الأولى الفكرية والأدبية والتاريخية بالإضافة إلى الأنشطة الأولى في مصادر التشريع الإسلامي الكتاب والسنة وغير ذلك مما يثري الثقافة الإسلامية العظيمة. وقدر في ختام تصريحه بالجهود التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين لإنجاح هذه المناسبة ومشاركة كافة البلدان الإسلامية ليشهدوا هذه الفعاليات ويسهموا في إحيائها وينقلوها إلى شعوبهم فيكون الاحتفال لهذه العاصمة عالمياً وبالتالي تتخلد مثل هذه الذكرى في أذهان الناس والناشئة وفي كتب التراث حتى تكون لهذه العاصمة الإسلامية حضورها المميز في جميع الأنشطة والفعاليات.