قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) سورة الأحزاب. لا أدري ماذا أصف به الثكل الذي هزّ الكثير من الناس في بلادنا بعد فقدان الوجيه الخير رجل الأعمال الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله الموسى - رحمه الله - في صباح الخميس الموافق 12 - ربيع الأول - لعام 1434. لقد كان الفقد مؤلماً ومؤثراً، فماذا أقول عن رجلٍ من أعز الرجال إلى قلبي لحبه ومؤانسته، ماذا أقول عن جد أبنائي عن هامة تعد إحدى الرموز الشامخة في بلادنا، ماذا أقول عن والد زوجتي وجد فيصل وإخوانه وشقيقتهم الذين تأثروا تأثراً قد يطول بعد فقد أبيهم وحبيبهم العطوف.. لقد رحل ذلك العلم ببره وتعهده وخلقه وتواضعه وبساطته.. لقد رحل رجل نادر وطراز فريد من جيل الرواد، ولاسيما في مجال العقار. لقد اتجهت يميناً وشمالاً وكنت أظن أنني وأقاربه وأصدقاءه الوحيدون المكلومون، فإذا بي أجد أن تأثير فقدانه عم الجميع وخاصة من عرفوه أو سمعوا عن فضائله وشمائله وسيرته العطرة وهذه هي المقاييس الصحيحة لمعرفة أقدار الرجال ومكانتهم.. وبحكم قربي من الناس ولاسيما أهل العلم والفضل، فكثيراً ما كنت أقدم للشيخ عبدالعزيز حاجة المحتاجين أو تفريج كربة المكروبين أو التنفيس عن المعسرين، فكان نعم الموجه ونعم المعطي مع كرم نفس وسماحة بال ويكفيه شرفاً وفضلاً مداومته على قراءة القرآن الكريم وتدبره ودعمه لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم وخاصة في منطقة الرياض بأعطيات مجزلة.. هذا الكبير الذي يُنزل الناس منازلهم عاش وبذل ونحسبه أدى ما عليه، بعيداً عن المديح والأضواء زاهداً عنهما ومع أنه كان ثرياً إلا أنه كان متحاشياً صراط المتهافتين على المتع أو المتفاخرين بملذاتها أو بعنصريتها دون غيرها، فلم تشغله الملهيات ولم تغره منزلة نالها ولم يتعلق قلبه بها لأنه كان يسعى لبناء دنياه وجعلها وسيلة لنيل رضا الله وجنته وما ذاك إلا بفضل الله عليه وتوفيقه ثم بإخلاصه وطيب سريرته وسلامة نيته، فهو -رحمه الله- كان مؤمناً إيماناً صادقاً، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً - يعرفه محدثه بآثاره وأياديه وأسارير وجهه، مع وضوح في المبدأ وصدق في التعامل وعفة في اليد واللسان كانت مضرباً للمثل. لقد آثر فتح قلبه والقرب من الكل دون تخصيص لهذا عن ذاك.. وكان يقدم لمن استشاره عقله وفؤاده، فالرأي السديد منَّة الله على الخيرين من خلقه، فهذه المميزات سر محبته وعلو مقامه. وبما أن لنا في سلفنا الصالح أسوة حسنة، فإني أتذكر حادثة تاريخية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما نُعي إليه سيف الله المسلول الصحابي خالد بن الوليد استرجع وبكى وترحم عليه ولما مرَّ بأحد أسواق المدينة سمع بكاء نساء بني مخزوم على خالد فقال له أحد أصحابه: أترى أن أمنعهنَّ؟ فاستعبر عمر وقال: (دع نساء بني مخزوم يبكين خالداً فعلى مثل أبي سليمان فلتبك البواكي). نعم فعلى مثل أبي عبدالله فلتبك البواكي: ومما سطرته في فقدانه هذه الأبيات: طبت ميتاً مثلما طبت حياً يا سليل الندى وبحر النوال عشت للدين والكتاب محباً باذلاً ماله لخير مجال إيه عبدالعزيز نبكيك فذاً قد رزئنا بفقده والزوال نم قريراً فربنا خير جازي يمنح الجود أهله بالكمال رحم الله حبكم آل موسى وجزانا بصبرنا ذو الجلال واستمروا على خطاه فأنتم خير وارث لخير خصال فقد أهل العلا للأرض نقص قد أتانا بذاك خير مقال رحم الله صاحب المبرات وشيخ المبادئ عبدالعزيز الموسى وألهمنا جميعاً وألهم الكثير من الفقراء - ممن غمرهم بماله وحنانه طيلة العقود التي عرفوه فيها - الصبر والسلوان، إن ما ذكرناه من هذه الصفات النبيلة تفرض على الناس وبالأخص محبيه أن يذكروه حياً وميتاً وما الناس إلا شهود الله في أرضه سائلاً الله جلَّ جلاله الرؤوف الرحيم أن يتقبله وأن يسكنه فسيح جناته وجميع موتى المسلمين وأن يخلفه في أمته خيراً وأن يضع الخير والبركة في تلاحم وترابط أبنائه وبناته البررة وأحفاده المهرة وأن يعينهم على الاقتداء بمسيرته المباركة التي شرقت وغربت وصنعت تاريخاً مميزاً عن الوجهاء من أبناء هذا الجيل. وقبل أن أختم أوجه نداءً من القلب إلى جامعاتنا بتتبع هؤلاء الرموز بالدراسة والتحليل عن مكامن البذل والإبداع عن إنجازاتهم وما قدموه من أثر حسن ورؤى صائبة نهضت بالمجتمع وأضاءت له طريق الحياة هؤلاء الرموز الذين تزخر بلادنا المباركة بكوكبة منيرة منهم الملوك والأمراء والعلماء في كل فن ورجال الأعمال والمال سواء الذين قضوا نحبهم أو لا يزالون أحياء بيننا ليكونوا مشكاة لمصابيح درب الأجيال القادمة والتي تليها، لقد حبا الله بلادنا بمنهج يتسق مع توجه حكامنا الكرام الذين رسموا بالشريعة أبهى صور تحكيمها ونشر سننها وأحكامها فكان ملكهم جامعاً لخيري الدنيا والآخرة وما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا.. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين. عضو الجمعية الفقهية السعودية