قال الله تعالى في كتابه الكريم: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين . النحل 120، يصف الله تعالى نبيه ورسوله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا محمد وآله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأنه أمة مع كونه رجلاً واحداً, (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) الله سبحانه وتعالى وصف إبراهيم بأنه أمة مع أنه شخص واحد، ولهذا صاحب الحق لا يستوحش ولو كان وحده على الحق فهو أمة، في إبراهيم عليه الصلاة والسلام من صفاة عظيمة وجليلة جعلته بمثابة أمة كاملة، فهو عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم خليل الله، كما اتخذه الله سبحانه وتعالى الذي قال جل ثناؤه: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ... وقال الله تعالى واصفاً النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام: إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ . الصافات84، وقول الله تعالى عنه: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ . الأنبياء51، فقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام جامعاً الأخلاق العظيمة والجليلة حتى مع أبيه الذي كان مشركاً يعبد الأصنام، وكان يُناديه تأدباً وتلطفاً معه (باأبت)... يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ... يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ، وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تُبين مكانة إبراهيم ومنزلته العظيمة وخلقه الرفيع في دعوته إلى الله تعالى - إلى التوحيد. ونبذ عبادة الأصنام ودعوة من بعبدها لأنها لا تنفعه بل تضره، لذلك حارب الشرك وهو عبادة الأصنام... وحطم تلك الأصنام التي تُعبد من دون الله تعالى... فقذفه قومه في النار حتى أمر الله تعالى النار بأن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم.. قال تعالى: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . (69) سورة الأنبياء. فكانت كما أمر الله سبحانه وتعالى... وهذه الآيات الكريمة كما يقول العلماء فيها الدلالة على أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان محققاً للتوحيد، ووجه الدلالة أن الله -جل وعلا- وصفه بصفات منها-: أنه كان أمة، والأمة هو الإمام الذي جمع فيه صفات الكمال البشري وصفات الخير، وهذا يعني: أنه لم ينقص من صفات الخير شيئاً، وهذا هو معنى تحقيق التوحيد. والأمة تطلق في القرآن إطلاقات، فمن تلك الإطلاقات أن يكون معنى الأمة «الإمام المقتدى به في الخير»، وسمي أمة لأنه يقوم مقام أمة في الاقتداء، ولأن من سار على سيره غير مستوحش ولا متردد، لأنه ليس مع واحد فقط وإنما هو مع أمة, وأنه قال: قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وهاتان الصفتان- القانت، والحنيف- متلازمتان، لأن القنوت لله معناه دوام الطاعة لله -جل وعلا- وملازمتها، فهو ملازم لطاعة الله -جل وعلا، فقد حقق إبراهيم عليه الصلاة والسلام التوحيد لرب العالمين، فاستحق أن يكون أمة وحده، واستحق أن يمدحه الله -عز وجل- بهذه الصفة العظيمة الملازمة له، لذلك فهو قدوة في الدعوة إلى توحيد الله تعالى. قدوة لنا جميعاً نحن المسلمين في كيفية الدعوة إلى عبادة الله وحده دون سواه، كما هو قدوتنا نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وسائر الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.. قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا . وقال عز من قائل: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ ، وقال سبحانه وتعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ... فلنقتدي بهم ونتمسك ونتبع ونقتفي آثارهم الحميدة الجليلة.. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وعنا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. اللهم آمين.