ما أن تحل المنية بمبدع أو أديب أو مفكر أو باحث كبير إلا وتنهال عشرات المقالات تذكر ميزاته وتشيد بأعماله وتتحدث عن إنجازاته الإبداعية ومآثره وفضائله وسجاياه، وما خلف بعده من تركة أدبية أو علمية تبقى أمانة لدى الأجيال تتبعها بالدراسة والبحث، وتقف عند مكامن التجويد والإبداع، وما قدمه الفقيد من رؤى نهضت بالمجتمع وأضاءت له طريق الحياة وقاومت عوائق التخلف والركود! جميل منا هذا الوفاء لأعلامنا الذين يملؤون علينا فضاءنا بكلماتهم؛ تنطلق بها أقلامهم، وتشدو بها حناجرهم، ولا تغيب عنا أجيال من الرواد توالى رحيلهم بعد أن أثرَوا وأثرُوا، فتاريخنا الأدبي لن يغفل أبدا عن تدوين أسماء رواد النهضة الحضارية على مدى أجيال متعاقبة منذ عام 1343ه إلى هذه اللحظة التي أخط فيها حروف هذا المقال على اختلاف مشاربهم وتنوع عطاءاتهم؛ مثل : محمد حسن عواد، عبد الوهاب آشي، حمزة شحاتة، محمد حسن فقي، أحمد سباعي، عزيز ضياء، عبد القدوس الأنصاري، أحمد عبد الغفور عطار، عبد الكريم الجهيمان، حسين سرحان، حمد الجاسر، محمد حسين زيدان، عبد الله عريف، عبد الله بن خميس، عبد الله بن إدريس، عبد الله شباط، سعد البواردي، وغيرهم من تلك الأجيال التي سبقت الجيل الأول من الدكاترة الذين ابتعثوا إلى مصر وبريطانيا وأمريكا وقدمت طلائعهم مطلع التسعينيات الهجرية من القرن الماضي؛ مثل د. منصور الحازمي، ود. أحمد الضبيب، ود. محمد المفدى، ود. محمد بن سعد بن حسين، ود. عبد الله الحامد، ود. عزت خطاب، ود. أسعد عبده، ود. محمد عبده يماني، ود. أحمد البدلي، ود. غازي القصيبي، وغيرهم الكثيرون من أجيال الأكاديميين المتوالية الذين أتحفتنا بهم نهضتنا العلمية والحضارية. ليس من مقاصد هذه المقالة الموجزة التعريف برموزنا الأدبية فليس هذا موضعه؛ ومن أراد ذلك فعليه أن يعود إلى مصادر دراسة الأدب السعودي؛ وإنما أريد أن أقف عند حالة الرثاء الحزينة والندب واللطم على صفحات الصحف والمدائح وقصائد الفخر بمن تفقده الساحة الأدبية؛ بينما كان الفقيد أو جل من نفقدهم كانوا بيننا يعيشون في الظل وفي أوضاع معيشية وصحية ليست مريحة في أضعف وصف لحيواتهم التي كانوا يتكتمون عليها عزة وإباء، ولم تتكشف أوضاعهم السيئة إلا بعد رحيلهم، وقد كانوا ينشدون لمجتمعهم النهوض، ويسعون إلى رقيه وتقدمه، ويواجهون عوائق التقدم، ويضعون مبضع كلماتهم على مكامن أدواء المجتمع بينما هو غافل عنهم، يهدر في اتجاهه نحو المستقبل، ويطحن في طريقه من يطحن، فيكسب من يكسب ويخسر من يخسر ممن واتته فرص وممن لم يتملك قدرا وافيا من الذكاء المعيشي لامتطاء عجلة الفرص الدائرة، فعاشوا مستورين إلى أن رحلوا؛ وربما لا تغيب عن ذاكرتنا أسماء مبدعين وكتاب صفقت لهم الصحف بعد رحيلهم وقل من تذكر أوضاعهم حينما كانوا بيننا؛ ومن أولئك الذين غابوا وبقي إبداعهم الشاهد الوحيد على رؤاهم ومعاناتهم وموقفهم من مجتمعهم : حمد الحجي، وفوزان الصالح الدبيبي، وعبد الله نور، وغيرهم؛ وبيننا الآن من يشبههم كثيرون صامتين عن أنفسهم ناطقين معبرين فصحاء عن قضايا مجتمعهم، ولكننا لن نتذكرهم كما تعودنا ولن نكرمهم إلا بعد موتهم! كم من أولئك عانى في حياته من شظف العيش ولم يبق له إلا الذكر الحسن؟! وهل يكمن حظ الأدباء والمفكرين والكتاب لدينا في الذكر الحسن ليس إلا؟! وهل نحن لا نجيد إلا تمجيد الراحلين فحسب؟! [email protected] mALowein@