بدأت في الرياض أمس أعمال الاجتماع المشترك لأصحاب المعالي وزراء الخارجية ووزراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالدول العربية للتحضير لأعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة المقرر عقدها في الرياض يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين. وفي بداية الاجتماع سلّم معالي وزير خارجية جمهورية مصر العربية محمد كامل عمرو رئاسة الدورة الحالية لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية. من جانبه رحب صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في كلمته بأصحاب المعالي الوزراء في المملكة العربية السعودية التي تسعد باستضافة أعمال القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الثالثة، معرباً عن شكره لمعالي وزير خارجية جمهورية مصر العربية محمد كامل عمرو على ما بذلته مصر من جهود أثناء رئاستها للقمة في دورتها الثانية. كما شكر سموه معالي أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي ومسئولي الجامعة على ما بذلوه من جهد لمتابعة ما نتج عن القمتين السابقتين وما قاموا به من تنسيق للإعداد لهذه القمة. وقال سموه: شهد عالمنا العربي خلال العامين المنصرمين عدداً من المتغيرات والتحدّيات، على الرغم من أنها اتخذت أشكالاً سياسيةً في ظاهرها إلا أن مسبباتها الحقيقية لا يمكن أن تخطئها العين بأي حال من الأحوال، إذ لا يمكن إغفال جوانبها التنموية أو تجاهل الطموحات التي تتطلع إليها شعوبنا العربية وآمالها نحو حاضر مشرق ومستقبل مزدهر. وأضاف: ومن هذا المنطلق فإنه لا ينبغي أن يكون اجتماعنا هذا تقليدياً لأنه يعالج أهم الموضوعات والقضايا الرئيسية التي تلامس حياة شعوبنا مما يتطلب معه الارتقاء بقراراتنا إلى مستوى تطلعات شعوبنا وقياداتنا. ورأى سمو وزير الخارجية في كلمته خلال الاجتماع التحضيري أن التعامل مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي يتطلب منا معالجتها من منظور شامل يغطي جميع جوانبها مما يحتم علينا تفعيل ومتابعة مسيرة التكامل الاقتصادي العربي والمراجعة الشاملة والدقيقة لما سبق اتخاذه من قرارات في القمتين السابقتين لتكون منطلقاً أساسياً للمضي في البناء وتحقيق الأهداف المنشودة. وأكد سموه على وجوب المصداقية وجدية العمل للتمكن من التغلب على ما قد يعترض مسيرة العمل العربي المشترك من عقبات وعوائق، خاصاً بالذكر المساعي الرامية إلى استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، علاوة على إتمام باقي متطلبات الاتحاد الجمركي وفق الإطار الزمني المتفق عليه لبلوغ التطبيق الكامل له في عام 2015م. ومضى سمو وزير الخارجية يقول: يزخر الوطن العربي بثروات متعددة من موارد طبيعية وبشرية ورؤوس أموال وموقع استراتيجي وآملاً في تيسير تدفقات الاستثمار والتجارة العربية البينية في سبيل بناء تكامل اقتصادي عربي قائم على أساس المنفعة المشتركة. وأكد سموه أن القمة الحالية تسعى إلى اعتماد الاتفاقية الموحدة المعدلة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية التي تهدف في المقام الأول إلى تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيسي يسهم في رسم وتنفيذ مسار مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية. وأضاف سموه أن التنمية الاقتصادية الشاملة بما تمثله من تحدّيات وفرص تتطلب ابتداءً وضوح الرؤية والأهداف ومن ثم العمل المتواصل اعتماداً على الموارد المتاحة لبلوغ الغايات المنشودة في النمو والازدهار، مبينا سموه أن تحقيق الأهداف التنموية للألفية والوفاء بالتزاماتها يعد أحد الموضوعات المهمة التي ستبحث اليوم خاصة ما يتعلق بتوفير موارد جديدة إضافية لدعم جهود الدول العربية الأقل نمواً لتحقيق تلك الأهداف. وأشار الأمير سعود الفيصل إلى أن هناك مقترحات محددة بخصوصها ستتناولها كلمة خادم الحرمين الشريفين في القمة إن شاء الله. وأوضح سموه أن المنطقة العربية تمتلك جميع المقومات الجغرافية والمناخية والاقتصادية المثلى لتطوير صناعة محلية مستدامة ورائدة في مجال الطاقة المتجددة وبالتالي فإن استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتاحة ونقل التقنيات الخاصة بتصنيع معداتها إلى الدول العربية يعد خياراً استراتيجياً للمنطقة العربية لضمان تأمين وتنويع مصادر الطاقة وإرساء قواعد صناعة أنظمتها عربياً سعياً إلى تسويقها على المستوى الإقليمي في بادئ الأمر ومن ثم على المستوى العالمي في مرحلة لاحقة. ومضى سموه قائلاً: وهو ما تبنته الإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة المطروحة للاعتماد أمام قمة الرياض التنموية الاقتصادية الاجتماعية والتي تستشرف آفاق المستقبل للعالم العربي وتسعى نحو تلبية طموحات المواطن العربي في التنمية الشاملة. وأفاد سموه أن تلك الإستراتيجية تضمنت آليات لمشاركة القطاع الخاص بشكل أكثر فاعلية في الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة واقتراح مصادر مناسبة للتمويل تسهم في بناء سوق عربية للطاقة المتجددة إلى جانب وضع خطة عمل تنفيذية للبرامج والأنشطة التي تتناسب مع الأولويات التي تضعها الدول العربية. وقال سمو وزير الخارجية: تشكل الأمراض غير المعدية والتي يأتي في مقدمتها أمراض القلب والشرايين وداء السكري والأمراض السرطانية والأمراض التنفسية المزمنة تحدياً تنموياً وعبئاً كبيراً على الاقتصاديات والنظم الصحية في الدول العربية. وأشار سموه إلى أن إحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2010م توضح أن الوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية تراوحت نسبتها في الدول العربية ما بين 27 % إلى 84 % من إجمالي الوفيات. وأكد سمو وزير الخارجية أن الإنسان العربي يمثل محور الارتكاز والهدف الأساسي للتنمية المنشودة ولذلك فإن قمة الرياض الاقتصادية والاجتماعية قد أولت اهتماماً كبيراً بموضوع التصدي للأمراض غير المعدية في وطننا العربي. ولفت صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل النظر في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع التحضيري إلى أن مشروع قرار اعتماد إعلان الرياض الصادر عن المؤتمر الدولي لأنماط الحياة الصحية والأمراض غير السارية في العالم العربي مطروح أمام أصحاب المعالي الوزراء في اجتماعهم اليوم كمنهاج عمل تلتزم به الدول الأعضاء للتصدي لتلك الأمراض مع تكليف الأمانة الفنية لمجلس وزراء الصحة العرب بمتابعة تنفيذ توصيات الإعلان. وزاد سمو وزير الخارجية قائلاً: إنه إلى جانب ذلك فإنه من المهم إشراك المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية المعنية في الجهود الوطنية الرامية للحد من انتشار الأمراض غير المعدية في وطننا العربي في سبيل خفض العوامل المؤدية لهذه الأمراض. وجدد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في ختام كلمته الترحيب بأصحاب المعالي الوزراء المشاركين في الاجتماع التحضيري، متمنياً للاجتماع كل النجاح وأن تحقق القمة ما تصبو إليه نحو تفعيل مسيرة العمل العربي المشترك.. سائلاً الله أن يوفقنا لما فيه خير أمتنا وشعوبنا. بعد ذلك ألقى معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، كلمة قدم خلالها شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - لحرصه على انعقاد هذه القمة في موعدها وسط التحولات الكبرى التي يعيشها العالم العربي، وما أفرزته من تداعيات وتحدّيات غير مسبوقة، الأمر الذي تطلب من قادة الدول العربية اتخاذ المواقف المطلوبة لمواجهة هذه التحدّيات والتعامل معها وتعزيز التضامن والتكاتف العربي لتجاوزها. وتحدث معاليه عن مراحل الإعداد لهذه القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى أن اللجان المعنية بالإعداد والمتابعة لها عقدت منذ فترة عدة اجتماعات لدراسة الموضوعات والمشروعات التي ستعرض على القمة بإضافات مهمة لترسيخ سنن التعاون الاقتصادي والاجتماعي العربي، مؤكداً حرص الجامعة العربية على المتابعة الحثيثة والأمنية لتنفيذ قرارات ونتائج القمم السابقة والعمل على ما يتعرض مسيرة العمل العربي المشترك من عوائق وصعوبات، وإقناع المواطن العربي بمصداقية وأهمية العمل العربي الجماعي. واستعرض خطوات الجامعة العربية في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي لترجمة الإرادة السياسية إلى واقع عملي، منذ إطلاق التجارة الحرة العربية الكبرى عام 1996م، مبيناً أن الأمانة العامة للجامعة والدول الأعضاء تقوم في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمتابعة وضع الأطر والآليات اللازمة لاستكمال متطلبات المنطقة، والعمل على تنفيذها وفق الأطر الزمنية المحددة لذلك. وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية: إن جدول أعمال القمة العربية التنموية والاقتصادية ستشهد العديد من الموضوعات المهمة المدرجة على جدول أعمالها ومن أهمها الاستثمار في الوطن العربي المرتبط بارتفاع معدلات البطالة وضعف نتائج برامج التشغيل والعمل في معظم الدول العربية، لافتاً النظر إلى أن الأرقام تشير إلى أن متوسط معدل البطالة في الدول العربية وصل إلى نحو 16 % في العام 2011م وهو أكثر من ضعف معدل البطالة في العام فيما يقدر عدد العاطلين عن العمل نحو 17 مليون عاطل. وكشف معالي الدكتور نبيل العربي النقاب عن أهم العوامل التي أسهمت في ارتفاع معدلات البطالة التي تمثلت في انخفاض قدرة الدول العربية على استقطاب الاستثمارات الأجنبية والعربية إذ شهد الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد للدول العربية انخفاضا من 68.6 مليار دولار في 2010م إلى 43 مليار دولار في العام 2011م بمعدل تراجع بلغ 37.4 %، مشيرا إلى أن الاستثمارات العربية البينية ليست أحسن حالاً وإن «كنا نتوقع أن تتحسن في المستقبل». وزاد قائلاً: إنه من هذا المنطلق تأتي أهمية تعديل الاتفاقية الموحدة لامست ثمار رؤوس الأموال بالدول العربية لتتواءم مع المتغيرات الجديدة على الساحتين الدولية والإقليمية لتوفي المناخ الملائم لزيادة الاستثمارات العربية البينية والمساهمة في توجيه الاستثمارات العربية إلى داخل المنطقة العربية بدلاً من الخارج بهدف الحد من البطالة والفقر وزيادة رفاهية المواطن العربي. وأفاد أن من الموضوعات المطروحة على القمة الحالية بالرياض العمل نحو تطوير استخدامات الطاقة المتجددة وشروع الدول العربية في مواكبة التطورات العالمية في استخدام كافة البدائل المتاحة من مصادر الطاقة التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة الطلب المتزايد، مبيناً أهمية التوجه إلى تطوير استخدامات الطاقة المتجددة وتحسين برامج كفاءة الطاقة. وأوضح أن برنامج العمل الصادر إلى الدول العربية والمؤسسات المعنية في هذه الدول قد أطلق بهدف التشديد على ضرورة الاستفادة من تقنيات الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية والرياح في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة والذي ترجمه المجلس الوزاري العربي للكهرباء في قرارات مفصلة وتم اعتماد الإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة حتى العام 2030م المعروضة على جدول أعمال الاجتماع التحضيري لإقرارها ومن ثم رفعها للقادة لاعتمادها. وأكد الدكتور نبيل العربي على أهمية موضوعات خفض الفقر والبطالة والتهميش والرعاية الصحية بوصفها من المجالات الاجتماعية التنموية التي كانت من بين أسباب ما شهد عدد من الدول العربية من تحولات، حاثاً الوزراء على إيلاء المزيد من الاهتمام بالموضوعات الاجتماعية والتنموية لتحتل مكانة أكثر تقدماً في أولويات العمل العربي المشترك. ونبّه معالي الأمين العام للجامعة العربية بأنه لم يبق سوى عامين لبلوغ عام 2015م وهو عام تنفيذ الالتزام الدولي بالأهداف التنموية للألفية الأمر الذي يستلزم وضع تصور للتحرك العربي المطلوب لبلوغ تلك الأهداف خلال الفترة المتبقية خاصة وأن هناك تقارير عربية تفيد بأن عددا من الدول العربية خاصة الأقل نمواً لن تتمكن من بلوغ كل الأهداف بحلول ذلك الموعد. ونوّه معاليه باستضافة المملكة لأعمال منتدى القطاع الخاص الذي عقد في يناير الجاري بالرياض وما صدر عنه من توصيات خاصة تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص وإزالة العقبات التي تواجهه وإطلاق عدد من المبادرات والمشروعات العربية المشتركة. كما أشاد بما صدر عن منتدى الشباب العربي الثالث ومنتدى المجتمع المدني العربي الثالث في القاهرة من توصيات قابلة للتنفيذ. عقب ذلك رفعت الجلسة الافتتاحية وتحوّلت إلى جلسة مغلقة اقتصرت على أصحاب السمو والمعالي رؤساء الوفود العربية المشاركة في الاجتماع التحضيري المشترك لوزراء الخارجية ووزراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي.