يبدو أن كُلفة التغيير في سوريا ستكون الأغلى بين دول (الربيع العربي)، انهيار تام للاقتصاد، ودمار للبنى التحتية، وخسارة كامل الاحتياطيات النقدية، وانحدار سعر صرف الليرة.. خسائر اقتصادية موجعة، وخسائر بشرية أكثر فداحة وإيلاماً، ما يقرب من 60 ألف شهيد وشهيدة مجمل الوفيات المسجلة حتى اليوم، آلة الدمار الأسدية لم تعد تُميز بين الطفل والمرأة أو الشيخ الكبير، فالقتل بات هدف النظام وأعوانه من الصفويين المرتزقة الذين تحولوا إلى سادة على الأراضي السورية!. أكثر من 600 ألف سوري شُردوا قسراً من مدنهم وقراهم إلى دول الجوار، أصبحوا لاجئين بعد أن كانوا مطمئنين في منازلهم.. تُرى من المسؤول عن خُذلانهم، وتقديمهم لقمة سائغة للنظام؟. دفعهم الغرب للثورة، وزيّنها لهم ثم تخلى عن دعمهم، واجتهد في تعطيل القرارات الأممية التي كان من الممكن أن تحمي الأراضي السورية من الدمار والتقسيم، والشعب السوري من القتل والتهجير.. إنها إستراتيجية «الفوضى الخلاّقة» التي غرسَ بذرتها اليهود في مراكز الاستخبارات الأميركية فتلقفها الخونة الذين أعادوا غرسها في أراضي الدول العربية وسقوها بدماء الشهداء. اجتمع على الشعب السوري ظلم النظام، وظلم العالم، وقسوة العيش في الداخل وفي مخيمات اللاجئين. أكثر من 600 ألف نازح، و5 ملايين سوري يُعانون الجوع، والبرد، والقتل والترويع والإذلال، تُحيط بهم الثلوج ومستنقعات الأمطار من كُل جانب، يُكابدون البرد ونقص المياه، والغذاء، والمسكن الدافئ، إلا من بعض المساعدات الإنسانية التي وصلت لهم من أصحاب القلوب الرحيمة، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين. أصبح الشعب السوري الأعزل أكثر حاجة للمساعدات الإنسانية العاجلة، فهروبهم من ظلم الأسد لم ينجيهم من البرد والعزلة والجوع والعطش وانعدام الخدمات الأساسية، اجتمع على السوريين ظلم النظام وقسوة الطقس الذي يُوشك أن يفتك بالناجين منهم.. أطفال جوعى، ونساء لا حول لهم ولا قوة، وشيوخ يُعانون المرض والبرد القارص.. مأساة إنسانية أغمضَ الغرب عنها عيونهم، وهم من ملؤوا آذاننا ضجيجاً بشعارات حقوق الإنسان، وأحقية تقرير المصير!. يُعاني النازحون من محدودية أماكن الإيواء في بعض الدول المجاورة، وقصور الخدمات العلاجية، وعدم توفر المستشفيات الميدانية ومراكز الرعاية الصحية الأولية التي يُمكن أن تُباشر الحالات المرضية بين النازحين، ونقص الأدوية والمعدات الطبية. أعتقد أن توفير الاحتياجات الطبية والأدوية ومراكز الإيواء والغذاء أهم ما يحتاجه النازحون في الوقت الحالي.. أما إخوانهم في الداخل، فيعانون قسوة النظام وشظف العيش بعد أن فقدوا الماء والغذاء وقُطعت عنهم الكهرباء، فأصبحوا أكثر حاجة إلى ما يُدفئ أجسادهم العارية، ويملأ بطونهم الخاوية، ويوفر لهم الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية التي قد تساعدهم على البقاء حتى يكشف الله عنهم الغمة. الحكومات العربية مسؤولة أمام الله عن إغاثة السوريين، ومد يد العون لهم، هناك جهود إغاثية متميزة موجهة للداخل، والخارج، إلا أنها لا تصل حد الكفاف، ما يستوجب التوسع في حملات الإغاثة، وبما يحفظ للسوريين كرامتهم وأرواحهم.. تقديم أموال الدعم للدول الحاضنة قد لا يحقق هدف المساعدة، خصوصاً مع استغلال البعض أحوال اللاجئين لتحقيق مكاسب مالية، فالمساعدات المباشرة قد تكون أكثر جدوى إذا ما قدمتها الحكومات المانحة من خلال برامج مشتركة مع هيئات الإغاثة الموثوقة.. وصول المساعدات الإنسانية مستحقيها، وتحويل أموال الدعم إلى مشروعات إغاثية على أرض الواقع يجب أن تكون من مسؤولية الدول المانحة، وأولوياتها. أحسب أن جهود المملكة في إغاثة الشعب السوري هي الأبرز حتى الآن، وهي جهود حكومية شعبية، مستمرة منذ أن بدأت الأزمة، مساعدات إغاثية للمنظمات الدولية، والدول الحاضنة، وللشعب السوري في الداخل والخارج، أسأل الله أن يتقبلها وأن ينفع ويبارك بها، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم.. أتمنى أن تُنشئ السعودية مؤسسة إغاثية مستقلة تعهد لها بالمساعدات الإنسانية والبرامج الإغاثية الموجهة للشعب السوري في الداخل، وفي الدول المُشرفة على إيواء اللاجئين، لضمان إيصالها مستحقيها، وتحويلها إلى مشروعات إغاثية متميزة تُحقق الأهداف الإنسانية بكفاءة وأمانة وجودة عالية، بدلاً من تقديمها كأموال سائلة للدول الحاضنة، أو لجماعات الداخل المُسيسة. [email protected]