إن توطين الوظائف همٌّ وطنيٌّ كبيرٌ ليس للحكومة فقط، بل لجميع المواطنين الذين يشكِّلون أبناءنا وبناتنا، فقد اهتم بهذا الأمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ووجه المسئولين للعمل على كلٍّ ما من شأنه حلِّ مشكلة البطالة. ونتيجة لذلك صدر العديد من القرارات والتوجيهات، التي تظهر مدى حرص خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين -حفظهما الله-. ومع ذلك تزداد ظاهرة البطالة بين أبنائنا وبناتنا، ففي تصريح لمعالي وزير العمل مؤخرًا أن عدد العاطلين السعوديين بلغ مليوني مواطن منهم 85 في المئة نساء ولذا قامت وزارة العمل مؤخرًا بتطبيق قرار بزيادة تكلفة العمالة الأجنبية وعلى جميع القطاعات الإنتاجيَّة والخدميَّة، كبيرها وصغيرها دون تفريق بالرغم من أن معظم الأعمال التي تشغلها العمالة الوافدة معظمها (أكثر من 90 في المئة) لا تتناسب ولا يمكن أن يعمل بها السعوديون بأيِّ حالٍ من الأحوال ولمعرفة الأسباب سوف أتعرض لعدد من النقاط ذات العلاقة بالموضوع كالتالي: - تفضيل المواطن للوظيفة الحكوميَّة مهما تكن وبأيِّ مرتبٍ دون النَّظر لما يمكن أن يحصل عليه في القطاع الخاص، وهذا التوجُّه له تأثيرٌ على توطين الوظائف، ليس لأن الدَّوْلة تدفع أكثر، لكن (ومع الأسف الشديد) للتسيب وانخفاض الإنتاجية. وإن القرار المتوقع بتخفيض ساعات العمل بالقطاع الخاص لن يكون له التأثيرُ الإيجابيُّ الذي يتوخاه المسئولون من هذا القرار. - وصلت الدِّراسات التي قام بها مستشارون أجانب ومحليون (ومنهم معهد الإدارة العامَّة) إلى انخفاض إنتاجيَّة المواطن السعودي ومن ذلك أيْضًا تصريح معالي وزير الاقتصاد والتخطيط في لقاء الجمعة بالفضائية (روتانا خليجية) الذي يقدمه الأستاذ عبد الله المديفر «بأن إنتاجيَّة المواطن السعودي لا تليق بنا». طبعًا هذا لا ينطبق على موظفي شركات حكومية مثل أرامكو وسابك والبنوك وغيرها من الشركات ذات الأرباح العالية جدًا مما يمكنها من وضع سلالم رواتب عالية ومُمَيِّزَات أخرى. - أكَّد مدير إدارة الأبحاث في صندوق النقد الدَّوْلي ديفيد روبنسون «أن العمالة الوافدة التي تكتظ بها الأسواق (الخليجيَّة) وأماكن العمل لا تُعدُّ منافسًا مباشرًا للمواطنين على الوظائف... وتعمل معظم الأيدي العاملة الوافدة في وظائف تعاني نقصًا في العمالة السعوديَّة»، كما قال: إن زيادة فرص التوظيف أمام المواطنين السعوديين تدعو إلى أن يكون التركيز على إيجاد وظائف مستقرة طويلة الأجل في القطاع الخاص، ويمكن تحقيق ذلك بعدد من الطرق منها تقديم المساندة الفنيَّة والماليَّة على حدٍّ سواء لظهور شركات صغيرة ومتوسطة الحجم وتوسيع برامج التدريب والأشكال الأخرى من اكتساب المهارات» الاقتصاديَّة العدد 6925. ويقول الكاتب أحمد محمد بأديب في محاضرة له: إن عدد الأجانب الذين يشغلون وظائف (أعمال يمكن أن يقوم بها سعوديون) لا يشكِّلون أكثر من 5 في المئة من عدد العمالة الأجنبية. - معالجة أوضاع العمالة السائبة وغير النظاميَّة التي تربو على 6 ملايين واشتغالها بأعمال التجارة (التستر) وغيرها من الأعمال بحصر هذه المؤسسات (غالبيتها صغيرة) والعائدة لأشخاص سعوديين لديهم سجَّلٌ تجاريٌّ أو أكثر (قد يكون بالعشرات كفروع) يقومون بتمكين العمالة (غالبًا الوافدة السائبة والمخالفة) بالعمل بها كالبقالات المنتشرة في جميع الأحياء وذلك باقتصار السجلات الفردية على سجَّل واحد على أن يكون صاحب السجل على رأس العمل بهذا العمل، ومن ذلك الورش التي ترخصها البلديات. - ما زالت مخرجات التَّعليم لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل مما يوجب إعادة النَّظر في سياسات التَّعليم. - يلاحظ النتائج السلبية على بعض القطاعات كالنقل والمقاولات من قرارات العمل التي كانت لا تتحصل على التأشيرات اللازمة للعمالة التي لا يمكن بحال من الأحوال شغلها بمواطنين كالسائقين والعمال غير الفنيين، بل والفنيين والقرار الأخير بزيادة تكاليف العمالة إثر سلبًا على هذين القطاعين، إما بزيادة أسعارها على المواطن وإما بتهديدها بالتوقف. هذه بعض الملاحظات التي في رأيي يجب أخذها في الاعتبار في موضوع التوطين قبل أن نفكر بوضع إستراتيجيَّة لتوطين الوظائف التي سوف أتحدَّث عنها في المقالة القادمة. خير الكلام ما قلّ ودلّ - من تجاربي المتواضعة مع كبار المسئولين عندما يتم تعيينهم في منصب جديد يقوم بجلب طاقم كامل معه (لوزارته) ويترك أهل الخبرة ومنهم من قد يكون مثاليًا في عمله وإنتاجيته ولديه خلفيات العمل أكثر من المسئول الجديد ولا يقوم المسئول بتقييم نتائج سلفه، وإنما ينسف كل ما كان في وزارته الجديدة دون تمييز ويبدأ من جديد وبالتالي لا يوجد استمرارية للعمل على شكل مؤسساتي. كما أن بعض المسئولين لا يهتمّ بالعمل وأداء واجبه قدر اهتمامه بالإعلام والظهور اليومي في الصحف. وبعضهم يشكِّل حوله شللية يزوِّدونه بالشائعات دون التأكَّد من صحتها مما يؤثِّر على موظفي الوزارة. وفي الغالب تستفيد هذه الشللية بمزايا خاصة لا يستحقُّونها، ومع الأسف انتقلت العدوى للقطاع الخاص. - تقارير تقييم أداء المُوظَّفين الحكوميين يعتمد على العلاقات الشخصيَّة وليس على الإنتاجيَّة والنماذج الحالية غير عملية وبذلك يحصل البعْض على مزايا لا يستحقُّونها (كالترفيع). والله الموفق؛؛؛ [email protected] *عضو جمعيتي الاقتصاد والإدارة السعودية- مستشار اقتصادي